المدرسة الوظيفية (fonctionnelle) مع ياكوبسن [1] ومارتيني [2] :
* ـ لا شك في أن الاتجاه الوظيفي بدأ يبرز إلى الوجود وتتكون ملامحه في حلقة (مدرسة) براغ (التشيكوسلوفاكية) التي استفادت من آراء دي سوسير بقدر ما استغلت منطلقاتها النظرية في أعمالها وكونت لنفسها نظرية لغوية [3] على أنها لم تحدد منهجها إلاّ بالانطلاق من تحديد للغة باعتبارها نظاماً وظيفياً يرمي إلى تمكين الإنسان من التعبير والتواصل .
* فإذا كان دور اللغة هو توفير أسباب التواصل فإن دراسة اللغة ينبغي أن تراعي ذلك، فكل ما يضطلع بدور في التواصل ينتمي إلى اللغة وكل ما ليس له مثل هذا الدور فهو خارج عنها، وبعبارة أخرى فإن العناصر اللغوية هي التي تحمل شحنة إعلامية، أما التي لا يمكن أن نعتبرها ذات شحنة إعلامية فلا يعتد بها اللغوي، فالأولى وحدها هي التي لها وظيفة .
* وقد اعتمدت مدرسة براغ هذا المنطلق لتدريس خاصة الأصوات وتضبط منهجاً للتمييز بين ما هو وظيفي فيها وما ليس وظيفياً، وكان تروباتزكوي هو الذي بلور فـي أجلى مظهر نتائج أعمالها في كتابه : مبادئ الأصـوات الوظيفية (principes de phonologie)
[4] .
* على أن النظرية الوظيفية لم تتبلور في كل مظاهرها مع مدرسة براغ، فقد تواصل بناؤها وصقلت مبادؤها ومفاهيمها في فرنسا عن طريق أندري مارتيني خاصة .
* ـ ويمكننا أن نستخلص مما كتبه أندري مارتيني ثلاثة اتجاهات رئيسية ذات علاقات حميمة فيما بينها كما يلي : [5]
- اتجاه الفونولوجيا (علم الأصوات العام) وتعتني بضبط الأصوات العامة ووصف صورها (الفونولوجيا الوصفية) .
- اتجاه الفونولوجيا الزمنية (العلم بتطور الأصوات عبر الزمان) .
- اتجاه اللسانيات العامة .
* أما القطب الذي تدور عليه رحى الوظيفية فيتمثل في التقطيع المزدوج : التقطيع الأول ويتناول الكلمات في صورتها اللفظية ومن حيث مضمونها .. فبفضل هذا التقطيع يمكن الحصول على تراكيب غير محدودة من العبارات انطلاقاً من عدد محدود من المقاطع [6] .
* والتقطيع الثاني لا يعني فيه إلاّ بالصورة اللفظية، فاستبدال مقطع صوتي من المقاطع المذكورة بمقطع من نفس النوع لا يؤدي في كل حالة إلى نفس التغيير المعنوي فنقل «ـا» من سال إلى زال، لا يغير صورة المدلولات (التي هي مختلفة في أصلها عكس ما هو الحال عليه في التقطيع الأول حيث يكون كتبتُ ـ كتبتَ ـ كتبتِ نفس اللفظة كتب ألصقت بها أصوات مختلفة : ضمير المتكلم والمخاطب والمخاطبة) [7] .
* والتقطيع الثاني إن كان يؤدي إلى إنجاز عشرات من المقاطع الصوتية (فونيمات) فهو يؤدي بالخصوص إلى عشرات الآلاف من الدلالات المختلفة وعكس ما يراه ياكوبسن، فإن مارتيني لا يرى من الضروري إدخال تقطيع ثالث يهم الخصائص التي تميز الحروف أما الفونولوجية العامة (علم الأصوات العامة)، فإن مارتيني يرجع المردودية الوظيفية التي هي وظيفة لسانية، إلى اختلاف الأصوات، وانطلاقاً من التمييز الهام بين الظواهر الصوتية والظواهر الفونولوجية (الحرفية الوظيفية) يضع مارتيني في تقابل الشروط الضرورية للتوصيل حيث يشترط وجود أقصى ما يمكن من الوحدات التي يشترط فيها أن تكون على جانب أكبر من الاختلاف مقابل بذل أقل ما يمكن من الجهد بعدد من الوحدات الأقل تباينا [8] .
* والبحث عن الانسجام بين هذين الشرطين يؤدي إلى الاقتصاد اللغوي أو إلى تحسين المردود الوظيفي .. فكل وحدة من وحدات العباراة تصبح خاضعة إلى نوعين من الضغوط المتقابلة [9] :
* ضغط نيري ناتج عن تعاقب الألفاظ في سلسلة الكلام وفيه (تجاذب) بين الوحدات المتجاورة وضغط عمودي تفرضه الوحدات أو الكلمات المنحدرة في السدى والتي كان بالإمكان أن تحل في ذلك الموضع .
* فالضغط الأول قائم على التماثل والضغط الثاني على التباين، وهذه الاتجاه الوظيفي ينقل نفس الوظيفة إلى التراكيب النحوية .. هكذا يميز مارتيني بين الكلمات الوظيفية .. فيكون التمييز بين الأدوات التي لها الصدارة وبين الأدوات المتممة التي تأتي في آخر الكلمة أو بين الصيغ الصرفية التي تعين الهيئة أو الجهة أو العدد أو أدوات التعريف والتنكير .
* ويعتمد ياكوبسن من جهته على وظائف الكلام (في نظرة المتكلم من كلامه) ونظرة السامع وعلى الرسالة والسياق وعلى الاتصال بين المرسل والمتقبل وعلى معقد الكلام code وكلها تساهم في تحديد الوظيفة الانفعالية أو التعبيرية أو اللفظية الإنشائية أو الشعرية أو وظيفة الحد أو الربط للمعاني فيما بينها [10] .
1890- 1930 ترى هذه المدرسة بأن على علم النفس أن يدرس وظيفة الشعور و ليس تركيبته . مؤسس هذه المدرسة هو الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس(1842-1910) كان عالما باهرا بدأ في دراسةالطب و لكن اصابته بالمرض دفعته إلى تحويل اهتمامه إلى علم النفس،و قد تأثرت أفكار جيمس بأفكار داروين و نظريته في الاختيار والانتقاء الطبيعي. و ترى نظرية داروين أن نوع الكائن الحي و استمرارية حياته تأتي عن طريق عملية الاختيار عبر الزمن ، و حاول جيمس أن يطبق نظرية داروين على الانسان حيث لاحظ أن الوعي أو الشعور هو من أهم الصفات التي تميز الانسان و هكذا استنتج أن موضوع علم النفس هو دراسة وظيفة الشعور و ليس تركيبته ، كما انتقد جيمس المدرسة البنائية(التركيبية) بأنها أهملت جوهر الخبرة الشعورية و التي يرى أنها تتكون من عناصر فانها تصل في النهاية إلى نقطة ثابتة تضع حدا لهذا التيار المتدفق من الافكار أي أن جيمس يريد أن يدرس و يفهم هذا التيار نفسه و الذي سماه تيار الوعي. و هكذا فان المدرسة الوظيفية اهتمت أكثر بالأفراد و كيف يكيف الناس سلوكياتهم مع العالم الحقيقي و قد حاولت طرح مواضيع جديدة لخدمة الناس فمثلا بدل الاهتمام بدراسة الادراك و المشاعر و اﻷحاسيس ركزت على مواضيع مثل نمو الطفل و الاختبارات العقلية و العمليات التربوية و الاختلافات السلوكية بين الجنسين، ومن العلماء الذين درسوا هذه المواضيع جون ديوي و جيمس كاتل.
يُحَدَّد مفهوم “المدرسة” في علم النفس بمجموعة من المبادئ التي يتبنّاها نفسانيون يدافعون عنها علميا ويدعون إليها. غالبا ما يكون لهذه المدرسة قائد أو رائد من روادها.
ظهرت أغلب مدارس علم النفس المعاصر في الفترة ما بين 1910 – 1940 ثم انبثقت منها عدة مدارس فرعية أخرى.
من أهم ما ميز النشاط السيكولوجي خلال المدة الزمنية التي أعقبت استقلال علم النفس عن الفلسفة واستمرت نصف قرن من الزمن، ذلك الجدل القائم بين دعاة دراسة محتوى الوعي وبنيته من جهة، إضافة إلى أصحاب الإتجاه الوظيفي الذين ألحوا على دراسة نشاط الوعي وفوائده.
المدرسة البنيوية أو البنائية كما يسميها البعض اهتمت أساسا بفهم الإحساس والشعور إضافة إلى بنية العقل. من روادها الفيلسوف الإنجليزي تيتشنر تلميذ فونت الذي واجه معارضة شديدة لأفكاره من طرف السيكولوجيين الذين اهتموا بفهم وظائف الشعور وتوظيف علم النفس في حل مشكلات الحياة، وذلك لملازمته التامة لمعلمه وتبنيه لأفكاره حتى الممات، فونت الذي فقد ثقة تلامذته بعد أن استحال تطبيق مشاريعه البحثية على أرض الواقع.
كرد فعل على ما روجته المدرسة البنائية، تأسست المدرسة الوظيفية في الولايات المتحدة الأمريكية. وترجع جذور هذا الإتجاه إلى أعمال العالم الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس الذي وصف الحياة العقلية كتيار من التجارب الواعية، مؤكدا أن للعمليات النفسية أهمية كبيرة بغض النظر عن بنيتها.
في الوقت الذي كانت البنيوية تحاول البحث في ماهية العقل فإن الوظيفية عملت على فهم كيفية توظيف العقل والمُلاحظ أن الإبتعاد عن البحث في ماهية الشعور وتركيز البحث عن وظيفته أقرب إلى التناول التجريبي الذي يبتعد عن التناول الفلسفي (النظري). رغم هذا التناول إلا أن الوظيفيين بقول أوفياء لدراسة العقل من حيث توظيف عملياته المختلفة في حل المشكلات مع الإيمان بالطبيعة المتكيفة للشعور.
من رواد هذا الإتجاه جيمس أنجل وهارفي كير أستاذي علم النفس بجامعة شيكاغو.
إن ما توصل إليه رواد الإتجاه الوظيفي من وصول لصورة متكاملة عن التوافق النفسي ساهم ظهور تيارات فكرية أخرى، تنادي هي الأخرى بضرورة دراسة مكونات النفس البشرية، كدليل آخر على أهمية علم النفس.
0 تعليق على موضوع : بحث جاهز بعنوان المدرسة الوظيفية
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات