ومن
مظاهر ذلك انقطاع الصلة بين التنظيم القضائي في الضفة الغربية والنظام القضائي
الأردني؛ فلم يعد لمحكمة التمييز الأردنية سلطة الإشراف على المحاكم هناك، أضافة
إلى التعديلات التشريعية للقوانين السارية في الأردن، سواء فيما يتعلق بالقواعد
الموضوعية أم بالقواعد الشكلية لم تعد سارية المفعول في الضفة الغربية بعد فك
الارتباط بينهما سنة 1982م.
وقد
حلت المحكمة العليا في إسرائيل محل محكمة التمييز الأردنية للإشراف على المحاكم في
الضفة الغربية؛ كما مارست هذه المحكمة صلاحياتها بالإشراف على نظام التقاضي الساري
في قطاع غزة؛ حيث تعطلت صلاحيات المحكمة العليا في غزة عن ممارسة الكثير من
صلاحياتها القانونية من الناحية العملية.
السلطة الوطنية الفلسطينية: 1994
وفقًا
لاتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية لعام 1993
"اتفاق أوسلو 1"، جرى توقيع العديد من الاتفاقيات التي هدفت إلى نقل بعض
الصلاحيات من إدارة الاحتلال الإسرائيلي إلى السلطة الفلسطينية في أجزاء جغرافية
معينة من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. ومن أبرز هذه الاتفاقيات: اتفاق غزة – أريحا الموقع في القاهرة عام 1994،
واتفاق واشنطن "أوسلو 2" الموقع بتاريخ 28 أيلول 1995 القائم حاليًا.
وقد
تناولت الاتفاقيات العديد من المسائل، من أبرزها:
انتخاب المجلس الفلسطيني، وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية، ونقل
الصلاحيات والمسؤوليات المدنية، وحرية التنقل للإسرائيليين، والمسائل القانونية في
المجالين الجنائي والمدني، وإطلاق سراح المعتقلين، وحصص المياه، ومسائل الأمن
والنظام العام، والتنمية الاقتصادية.
وحتى
الوقت الحاضر تستمر المفاوضات التي بدأت في 4 أيار 1996، لمعالجة مسائل أساسية
أخرى من أبرزها: وضع القدس، واللاجؤن
الفلسطينيون، والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وترتيبات
الأمن، والحدود، والمياه، والعلاقات الدولية.
وعلى
الصعيد القانوني، أصدر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية أول قرار له بتاريخ 20 أيار
1994 يقضي باستمرار سريان التشريعات والقوانين التي كانت سارية المفعول قبل
5/6/1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومنذ صيف 1994، تولى مجلس السلطة الفلسطينية (السلطة التنفيذية منذ 5/7/1994،
المجلس التشريعي منذ 7/3/1996) سلطة إصدار التشريعات المنظمة لمختلف جوانب الحياة
العامة لأفراد المجتمع. وهدفت التشريعات
الجديدة (التي بلغ عددها حتى صيف عام 2000 ما يقارب 48 قانونًا، و200 تشريع آخر)
إلى تنظيم الحياة وبلورة وحدة القانون ما بين محافظات الضفة الغربية وغزة.
وكان
من نتائجها أيضًا إلغاء الكثير من الأوامر العسكرية التي أصدرها الاحتلال
الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.وتنشر هذه التشريعات في الجريدة الرسمية
الفلسطينية المسمّاة "الوقائع الفلسطينية". وبالإضافة إلى التشريعات،
تعنى هذه الجريدة بنشر أمور غير تشريعية. وقد صدر أول أعدادها بتاريخ
20/11/1994. وبنظرة سريعة إلى التشريعات
الجديدة، يلاحظ بأنها تركز بشكل أساسي على الأمور الإدارية التنظيمية والتجارية
والمالية، والأراضي، والخدمات من صحة وتعليم، والأمور السياسية (انتخابات، نقل
السلطات والصلاحيات وغيرها.
وفي
الجانب القضائي، تم تأسيس "مجلس القضاء الأعلى" بموجب القرار الصادر عن
رئيس السلطة الفلسطينية بتاريخ 1/6/2000 الذي ضم مجموعة من كبار القضاة في محافظات
الضفة الغربية وغزة.
وفيما
يتعلق بالمحاكم، فإن صورها تتمثل في:
محاكم نظامية، ودينية، وخاصة، ومحكمة عدل عليا تنظر في المنازعات الإدارية.
وتم
استحداث عدد قليل من المحاكم الجديدة في بعض المحافظات؛ في حين ظل تنظيم المحاكم
كما كان عليه في الفترات السابقة؛ ففي محافظات الضفة الغربية – على صعيد المحاكم
النظامية - تعد محكمة الاستئناف المنعقدة مؤقتًا في رام الله أعلى محكمة نظامية
وقراراتها- ملزمة للمحاكم الأدنى أدبيًا؛ وهي تطبق القانون الساري المفعول في
الضفة الغربية؛ أما في محافظات غزة، فتعد المحكمة العليا أعلى محكمة نظامية؛
وقراراتها تعد بمثابة سوابق قضائية ( CASE LAW )،
وهي تطبق القانون الساري المفعول في غزة.
(ونشير
هنا إلى أن الاختلاف في القانون الساري المفعول في محافظات الضفة الغربية عنه في
قطاع غزة بدأ يتضاءل مع بدء حركة التوحيد التشريعي وهو في طريقه إلى الزوال
مستقبلا).
بعد
نكبة 1948، تم تقطيع أوصال فلسطين إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأكبر منها أقيمت عليه دولة إسرائيل؛
والضفة الغربية ضمت إلى الأردن وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من المملكة الأردنية
الهاشمية فيما بعد،؛ وأما قطاع غزة فقد خضع لإشراف الإدارة العربية المصرية، التي
حافظت على هويته الفلسطينية. وقد ترتب على
ذلك اختلاف وتغير في القوانين والأنظمة التي كانت سارية في فلسطين بما في ذلك
التنظيم القضائي فيها، وذلك على النحو التالي:
في الضفة الغربية
بعد
ضم الضفة الغربية إلى إمارة شرق الأردن ثم إلى المملكة الأردنية، خضعت إلى
القوانين والأنظمة النافذة هناك، وقد تناولت مجموعة التشريعات العدلية الحقوقية
بيان هيكل التنظيم القضائي الأردني، والذي كان سارياً في الضفة الغربية وفقاً
لقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952.
ويتكون هيكل
التنظيم القضائي في الضفة الغربية من المحاكم التالية:
محاكم
الصلح: في كل لواء أو قضاء أو أي مكان آخر
يقره مجلس الوزراء من آن إلى آخر بموافقة جلالة الملك، وتؤلف من قاض منفرد يعرف
بقاضي الصلح، وكانت هذه المحاكم منتشرة في كل مدن الضفة الغربية؛ وتعتبر محاكم أول
درجة، ولها اختصاص محدد في المسائل الحقوقية والأراضي والمسائل الجزائية البسيطة
محاكم
بدائية: في الألوية التي يحددها مجلس
الوزراء بموافقة جلالة الملك، وتؤلف كل محكمة من رئيس، وعدد من القضاة حسب الحاجة.
وتمارس محاكم البداية صلاحياتها في النظر في
الخصومات بصفتين:
أولاً: بصفتها محكمة أول درجة فتختص اختصاصاً عاماً
بكل الخصومات التي تخرج عن اختصاص محكمة الصلح في الدعاوى الحقوقية والأراضي
والدعاوى الجزائية.
ثانياً: بصفتها الاستئنافية كمحكمة ثاني درجة، حيث تنظر
في الطعون المرفوعة إليها ضد أحكام محاكم الصلح في المسائل المدنية والجزائية، وهي
المسائل الحقوقية والأراضي والمسائل الجزائية.
محكمة
استئناف القدس: وأخرى في عمان: ويعين لكل منها رئيس وعدد من القضاة حسب
الحاجة، وتمارس محكمة استئناف القدس النظر في الطعون المستأنفة ضد أحكام محاكم
البداية باعتبار هذه الأخيرة محاكم أول درجة، وكذلك ينص القانون على جواز استئناف
أحكام محاكم الصلح في الضفة في المسائل الحقوقية والجزائية.
محكمة
التمييز: تشكل محكمة تمييز واحدة ومقرها
عمان؛ وهي أعلى هيئة قضائية تشرف على المحاكم الدنيا في تطبيق القانون وتفسيره،
وتتكون من رئيس، وعدد من القضاة حسب الحاجة؛ وتشمل عدة دوائر تمكنها من ممارسة
صلاحياتها بعدة صفات:
أولاً: بصفتها الجزائية: تنظر في جميع الأحكام
والقرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف في القضايا الجنائية.
ثانياً: بصفتها الحقوقية: تنظر في المسائل الحقوقية أو
نقاط قانونية مستحدثة أو معقدة أو تنطوي على أهمية عامة، وتنظر فيها بهيئة
استئنافية.
ثالثاً: بصفتها محكمة عدل عليا: تنظر في الطعون
الانتخابية، ومنازعات معاش التقاعد للموظفين العموميين، وإلغاء القرارات الإدارية،
والمنازعات الدستورية وأعمال السيادة، وطلبات الإفراج عن الموقوفين بوجه غير
مشروع؛ بالإضافة إلى اختصاصات أخرى يحددها القانون.
وتوجد بالإضافة إلى المحاكم النظامية السابقة
محاكم أخرى غير نظامية، مثل المحاكم الدينية، حيث يحدد القانون كيفية تشكليها
واختصاصها، وقد استمرّ هذا الوضع حتى حرب يونيو 1967م، حيث احتلت اسرائيل الضفة
الغربية.
في قطاع غزة
بعد
نكبة 1948 سالفة الذكر، خضع قطاع غزة لإشراف الإدارة المصرية عسكرياً وإدارياً؛
وبموجبه صدرت عدة قرارات لتنظيم المعاملات بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية، وتنظيم السلطة التشريعية والقضائية في القطاع خلال هذه الفترة التي
استمرت حتى الخامس من يونيو 1967، حيث احتلت إسرائيل قطاع غزة.
خلال
هذه الفترة صدرت عدة أوامر لمواجهة الظروف السيئة والعاجلة لتنظيم الأمور في
القطاع بما فيها تنظيم القضاء. وبعد أن
استقرت وهدأت الأوضاع صدر النظام الدستوري لقطاع غزة سنة 1962م، ويمكن إبراز أهم
المتغيرات للتنظيم القضائي في القطاع على النحو التالي:
أولاً: استمرار العمل بكافة أنواع المحاكم القائمة في
المناطق الخاضعة للقوات المصرية بفلسطين، وكذلك استمرار العمل بالقوانين النافذة
قبل 15/5/1948، في حال عدم تعارضها مع ما صدر أو يصدر من أوامر أو تشريعات بعد هذا
التاريخ أيضاً بما فيها المحاكم الشرعية وغيرها.
ثانياً: نظراً لعدم وجود نظام قضائي كامل في قطاع غزة
وقت حدوث النكبة سنة 1948م؛ برزت أبعاد المشكلة بوضوح؛ وذلك بعجز المحاكم القضائية
القائمة عن مواجهة الخصومات وحلها؛ فأصدر الحاكم الإداري العام لقطاع غزة، بما لهُ
من صلاحيات تشريعية، عدة أوامر عاجلة لإنشاء وتشكيل بعض المحاكم التي تتطلبها
الحاجة، ومن أهمها:
تعيين
عدد من الكفاءات القانونية والعسكرية المصرية لشغل الوظائف القضائية لقلة الكفاءات
الفلسطينية.
إصدار
القرار رقم (95) في 18/12/1949 بإنشاء المحاكم النظامية والشرعية الآتية:
المحاكم
النظامية:
أ.
محاكم الصلح في قطاع غزة، وكانت في ذلك الوقت كما يلي:
•
محكمة صلح مدينة غزة.
•
محكمة صلح دير البلح.
•
محكمة صلح خانيونس.
•
محكمة صلح رفح
ب. محكمة مركزية مقرها مدينة غزة.
ت.
محكمة جنايات كبرى مقرها مدينة غزة
ث.
محكمة عليا مقرها مدينة غزة.
وتمارس
هذه المحاكم الصلاحيات الممنوحة لها بموجب دستور فلسطين لسنة1922 م والقوانين
والأنظمة والأوامر النافذة وقت صدور الأمر.
محاكم
شرعية:
محاكم
شرعية ابتدائية (محكمة أول درجة) في مدينة غزة؛ ويجوز لها عقد جلساتها في مدينة
خانيونس.
محكمة
شرعية استئنافية (محكمة ثاني درجة) مقرها مدينة غزة، بالإضافة إلى المجلس الشرعي
الأعلى يرأسه قاضي القضاة الشرعي.
صدر
القرار رقم (18) لسنة 1962 بإنشاء محاكم صلح جديدة في قطاع غزة وبتعديل الأمر رقم
(95) لسنة 1949؛ كما حدد الاختصاص المحلي لكل منها، والمحاكم هي: محكمة صلح مدينة غزة، ومحكمة صلح مدينة دير
البلح، ومحكمة صلح مدينة خانيونس؛ وأخيراً محكمة صلح مدينة رفح.
إنشاء
محاكم عسكرية لأول مرة في قطاع غزة، بموجب الأمر رقم (103) بتاريخ 30/1/1950م؛ وقد
أنيطت بها صلاحية الفصل في الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من الداخل والخارج،
وفقاً لأحكام قانون العقوبات المصري في حينه؛ ثم ألغيت هذه المحاكم بالأمر رقم
(189) بتاريخ 16/10/1956؛ وأنيطت صلاحيتها بالمحاكم النظامية.
وفي 15/11/1952م صدر الأمر رقم (243) بإعادة تشكيل المحكمة العسكرية وفقاً
للأمر رقم (103)، ومنحت لها نفس الصلاحيات السابقة أيضاً؛ ثم توالت القرارات حول
تنظيم المحاكم العسكرية وتحديد اختصاصاتها وأصول المرافعة أمامها أيضاً.
وفي
نهاية أكتوبر سنة 1956م احتلت إسرائيل قطاع غزة، خلال ما عرف بحرب السويس، لكنها
أجبرت على الانسحاب منه، وعادت الإدارة المصرية للإشراف على قطاع غزة. وأول ما
قامت به إصدار الأمر رقم (481) بتاريخ 7/4/1957م؛ حيث اعتبرت فيه الاحتلال
الإسرائيلي لقطاع غزة كأنه لم يكن، وجاء فيه (تبقى جميع القوانين والأوامر
والقرارات والتعليمات المعمول بها في قطاع غزة قبل أول نوفمبر سنة 1956م سارية
المفعول)؛ وتلغى جميع الأحكام و القرارات الصادرة عن المحاكم في قطاع غزة في
الفترة من أول نوفمبر سنة 1956 حتى اليوم السابع من شهر مارس سنة 1957م؛ وتبطل
جميع الآثار القانونية المترتبة عليها.
التنظيم القضائي خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي
على
إثر حرب يونيو 1967 احتلت إسرائيل كامل فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وكانت تهدف
من وراء احتلالها إلى بسط سيادتها الكاملة والاستيطانية على كامل فلسطين إلى
الأبد؛ لكن حركة المقاومة الفلسطينية وما صاحبها من حركة الانتفاضة الشعبية، كان
لها أثرها على توقيع اتفاق أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في
مايو 1993 ،كمرحلة أولى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية التي احتلت
سنة 1967، والمعروف باتفاق "غزة أريحا أولاً".
والذي
يعنينا في هذا المقام التعرف على التنظيم القضائي الفلسطيني في كل من قطاع غزة
والضفة الغربية خلال فترة دامت أربعة وعشرين عاماً، تعرضت خلالها كل مرافق البنية
التحتية والمؤسساتية، بما فيها التنظيم القضائي، للخراب والدمار.
ومن
أبرز معالم هذه الفترة بشأن التنظيم القضائي ما يلي:
أولاً: استمرار العمل بالتنظيم القضائي السائد في كل
من قطاع غزة والضفة الغربية من الناحية النظرية.
ثانياً: استمرار العمل بالقوانين والتشريعات التي كانت
نافذة قبل الاحتلال الإسرائيلي من الناحية النظرية أيضاً.
ثالثاً: التوسع في إنشاء المحاكم العسكرية واتساع
صلاحياتها بموجب الأمر رقم (3) بتاريخ 10/6/1967م، والصادر عن القائد العسكري
لقطاع غزة؛ حيث تكونت محاكم عسكرية فردية يفصل فيها قاض واحد؛ ومحاكم عسكرية مركبة
تتألف هيئتها القضائية من رئيس وعضوين، وفي كل الأحوال أحكامها نهائية فلا يجوز
الطعن فيها باستئناف أو غيره.
رابعاً: ربط القضاء
الفلسطيني في كل من قطاع غزة والضفة الغربية بالقضاء الإسرائيلي، كمحاولة لتهويد
الأراضي الفلسطينية.
0 تعليق على موضوع : بحث جاهز بعنوان التنظيم القضائي في فلسطين
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات