تشتمل سورة الحُجُرات على منظومة
متكاملة من أصول الأخلاق والمبادئ التربويّة والاجتماعيّة. وتهدف إلى وضع تشريعات ومبانٍ
في الأخلاق الاجتماعيّة التي تنظّم العلاقات الاجتماعيّة بين المسلمين أفراداً
وجماعات، وبثّ الروح في الحياة الاجتماعيّة في مجالاتها الخُلقيّة والاجتماعيّة
والتربويّة، وبناء مجتمع متماسك قويّ قادر على مواجهة التحدّيات، والسير بالبشر
نحو الكمال الذي أراده الله عزَّ وجلّ للإنسان.
*أصول الأخلاق الاجتماعيّة في سورة الحجرات
لا مجال لدراسة كلّ الأصول الأخلاقيّة والتربويّة والاجتماعيّة والنفسيّة الواردة في سورة الحجرات في دراسة مختصرة كهذا المقال، لذا سنوجز الكلام في جانب من هذه الأصول التربويّة والأخلاقيّة، وهي:
الأصل الأوّل: الأخوّة بين المؤمنين.
الأصل الثاني: الإصلاح بين المؤمنين.
الأصل الثالث: رعاية حرمة المؤمن.
الأصل الرابع: منهج تلقّي الأخبار.
مع الإشارة إلى أنّ هذه الأصول تشكّل مع باقي الأصول الواردة في السورة منظومة أخلاقيّة وتربويّة من شأنها تربية المجتمع الإسلاميّ، والسير به باتّجاه قيم الخير والفضيلة، والكمال والتقدّم.
* الأصل الأوّل: الأخوّة بين المؤمنين
الإيمان ليس علاقة طقسيّة بين المؤمن وربّه، يمارس من خلاله عباداته ويعزّز علاقته بالله تعالى فقط، بل هو علاقة لها أبعاد تربويّة واجتماعيّة أيضاً مع سائر المؤمنين الذين ليس بينهم إلّا رباط الأخوّة الإيمانيّة كما نفهم من صيغة الحصر "إنّما" في سورة الحجرات، التي تحصر العلاقة بين المؤمنين بالأخوَّة، ولذا قالت الآية: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
أ- حقّ أخيك
والمستفاد من الآية الكريمة أنّ أخوَّة الإيمان من الأصول الاجتماعيّة في الدين الإسلامي؛ التي يؤمر المؤمن بتأصيلها في حياته الاجتماعيّة بحيث لا تبقى بين المؤمنين إلّا الأخوّة، وتترتّب عليها مجموعة من الواجبات تجاه بعضهم البعض، وهو ما نفهمه بوضوح من الروايات الشريفة.
ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ عَيْنُه ودَلِيلُه لَا يَخُونُه ولَا يَظْلِمُه ولَا يَغُشُّه ولَا يَعِدُه عِدَةً فَيُخْلِفَه"(1).
ونجد المظهر الأكمل لهذه الأخوّة في ما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق، "وحقُّ أخيكَ، أن تعلمَ أنَّه يدكَ الّتي تبسطُها، وظهرُك الذي تلتجئُ إليهِ، وعزُّك الذي تعتمدُ عليهِ، وقوَّتك التي تصولُ بها، فلا تتّخذْهُ سلاحاً على معصيةِ اللهِ، ولا عُدَّةً للظلمِ لخلقِ اللهِ، ولا تدعْ نصرتَه على نفسِه ومعونَتَه على عدوِّهِ، والحؤولَ بينَه وبينَ شياطينِه، وتأديةَ النصيحةِ إليهِ، والإقبالَ عليهِ في اللهِ، فإنِ انقادَ لربِّهِ وأحسنَ الإجابةَ لهُ، وإلَّا فليكُن اللهُ آثرَ عندَكَ وأكرمَ عليكَ منهُ"(2).
والرواية ترشد إلى أنّ الأخ هو الذي اتّحد بأخيه اتّحاداً تامّاً، حتّى أصبحت يد أحدهما يد الآخر، وعزّ أحدهما عزّ الآخر.
ب- السكينة والاطمئنان
ويُبرِزُ بعض الروايات عنصراً مهماً يترتّب على الأخوة وهو السكينة والاطمئنان، لأنّ المؤمن يشعر شعوراً صادقاً براحة نفسيّة مع أخيه المؤمن. وهي السكينة التي أنزلها الله تعالى على المؤمنين، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (الفتح: 47). قال بعض المفسِّرين إنّ السَّكِينَةَ هي الرحمة التي تسكن إليها النفس ويزول معها الخوف(3). وهي تدلّ في بعض استعمالاتها على الثبات والطمأنينة. ورد عَنْ الإمام الصادق عليه السلام أنه قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَسْكُنُ إِلَى الْمُؤْمِنِ كَمَا يَسْكُنُ الظَّمْآنُ إِلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ"(4).
إذاً, للأخوّة الإيمانية دور رائد في بناء الشخصيّة المؤمنة، وتشييد أركان المجتمع الإسلاميّ.
* الأصل الثاني: الإصلاح بين المؤمنين
يترتّب على الأخوّة الإيمانيّة تكليف هامّ في الحياة الاجتماعيّة وهو الإصلاح بين المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10)، و﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (الحجرات: 9).
وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو المسلمين وتأمرهم بالاجتماع والتآلف، وتنهى عن التفرّق والاختلاف المؤدّيَين إلى التنازع والفشل.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "صَدَقَةٌ يُحِبُّهَا الله: إِصْلَاحٌ بَيْنِ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا وتَقَارُبٌ بَيْنِهِمْ إِذَا تَبَاعَدُوا"(5).
*الأصل الثالث: رعاية حرمة المؤمن
قال تعالى في سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(الحجرات: 11).
تحذّر هذه الآية من ثلاثة أمور تؤدّي إلى هتك حرمة المؤمن والإساءة إلى شخصيّته، وهذه الأمور هي: السخرية، اللمز، والتنابز بالألقاب.
أ- لا تسخروا
وقد حرّم الإسلام السخرية التي يمارسها بعض الناس بحق بعضهم الآخر لشعورهم بالتفوّق عليهم في بعض الصفات، أو الأفعال، أو المناصب، ممّا يجعل صاحب الصفة الجيّدة وبإيحاء شيطانيّ يتعالى على الآخرين ويحتقرهم باعتبارهم أقلّ منه درجة، وكذا اعتَبر اللّمز والتنابز بالألقاب من الأخلاق المذمومة، كونها تؤدّي إلى هتك الحرمات والإساءة إليها وتخطّي كل الحدود واللياقات في العلاقة بالآخر.
وتتحدّث الآية 12 عن ثلاثة أمور أخرى تؤدّي نفس مؤدّى الآية 11 ولكن مضافاً إلى البعد الشخصي لها هناك بعد اجتماعيّ، وهذه الأمور هي: سوء الظنّ، التجسّس، الغيبة. وتعتبرها من المحرمات التي تؤدّي إلى مفاسد اجتماعية كثيرة ومخاطر كبيرة. قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: 12).
ب- اجتناب ظنّ السوء
والمراد بالظنّ المأمور بالاجتناب عنه، ظنّ السوء، لأنّ ظنّ الخير مندوب إليه. روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِه حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْه ولَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلاً"(6).
والاجتناب عن الظن يعني الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كأنْ يظن بأخيه المؤمن سوءاً فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره (7).
ج- ولا تجسّسوا
والتجسّس هو تتبّع ما استتر من أمور الناس للاطلاع عليها، ولذا قيل: معنى الآية لا تتبعوا عيوب المسلمين لتكشفوا الأمور التي سترها أهلها(8). قال تعالى: ﴿.. وَلا تَجَسَّسُوا﴾ عن معايب المؤمنين، وإنّما تحسّسوا عن محاسنهم، إظهاراً للجميل وستراً للقبيح، والتجسّس عن أسرار المؤمنين محظور بأيّ لون وعلى أية حال.
ونهت الآية عن التجسّس مطلقاً، فالبحث عن أسرار الآخرين الخفية، ممّا لا يريدون اطّلاع الناس عليها، لأنّ الله أعطى الحياة الخاصة حرمة شرعيّة وجعل للإنسان الحقّ في منع غيره من الاعتداء عليها.
وحينئذٍ، يكون الإنسان المسلم محترم الكرامة ومصون العرض والمال والدم ومكفول الحرية في المجتمع الإسلاميّ الذي يتكافأ فيه الجميع ويعيشون فيه متساوين. وبهذا وضع الإسلام قاعدة كليّة عامّة وشاملة لكلّ أفراد المجتمع يتساوى فيها الضعيف والقوي والرجل والمرأة والرئيس والمرؤوس والعربي والأعجمي.
روي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله [الصادق] عليه السلام يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِه ولَمْ يُخْلِصِ الإِيمَانَ إِلَى قَلْبِه لَا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ ولَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَه ومَنْ تَتَبَّعَ الله تَعَالَى عَوْرَتَه يَفْضَحْه ولَوْ فِي بَيْتِه"(9).
*الأصـل الرابـع: منهج تلقّي الأخبار
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6).
تتحدّث هذه الآية عن أحد أهم الواجبات الاجتماعية والمؤثّرة في تماسك المجتمع ووحدته، وهو تلقّي الأنباء والأخبار والمعلومات وتناقلها فيما بينهم. والآية خطاب من الله عزَّ وجلَّ للمؤمنين بأنّه إذا جاءكم فاسق - وهو الخارج عن طاعة الله إلى معصيته - "بنبأ" - أي بخبر - "فتبينوا" صدقه من كذبه ولا تبادروا إلى العمل بما تضمّنه "أن تصيبوا قوماً بجهالة" لأنّه ربما كان كاذباً وخبره كذباً، فيؤدّي العمل به إلى: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ﴾.
يقول العلّامة الطباطبائي (رضوان الله عليه) في تفسير الآية: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بخبر، ذي شأن فتبيّنوا خبره بالبحث والفحص للوقوف على حقيقته حذر أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصيروا نادمين على ما فعلتم بهم".
وعليه، فإنّ الأخذ والرفض في الأنباء ليسا فوضى دون حساب، وإنما لكلّ ميزان عادل، فلا يؤخذ خبر الفاسق إلّا أن يتبيّن صدقه، ولا يرفض خبر العادل إلّا أن يتبيّن خطأه.
وأخبار الفاسقين، سببٌ رئيسٌ في الصراعات والمشاكل الاجتماعيّة التي تعصف بالمجتمع وبالمؤمنين. ومن الواضح أنّنا حينما ننظر إلى واقع المسلمين اليوم نجد أنّ الذين يذكّون نار الصراع بينهم هم في الأغلب أبعد الناس عن القيم، فإذا استطاع المؤمنون إبعاد أثر الفسقة عن تجمّعاتهم قدروا على سدّ أكبر ثغرة تهدّد كيانهم.
*أصول الأخلاق الاجتماعيّة في سورة الحجرات
لا مجال لدراسة كلّ الأصول الأخلاقيّة والتربويّة والاجتماعيّة والنفسيّة الواردة في سورة الحجرات في دراسة مختصرة كهذا المقال، لذا سنوجز الكلام في جانب من هذه الأصول التربويّة والأخلاقيّة، وهي:
الأصل الأوّل: الأخوّة بين المؤمنين.
الأصل الثاني: الإصلاح بين المؤمنين.
الأصل الثالث: رعاية حرمة المؤمن.
الأصل الرابع: منهج تلقّي الأخبار.
مع الإشارة إلى أنّ هذه الأصول تشكّل مع باقي الأصول الواردة في السورة منظومة أخلاقيّة وتربويّة من شأنها تربية المجتمع الإسلاميّ، والسير به باتّجاه قيم الخير والفضيلة، والكمال والتقدّم.
* الأصل الأوّل: الأخوّة بين المؤمنين
الإيمان ليس علاقة طقسيّة بين المؤمن وربّه، يمارس من خلاله عباداته ويعزّز علاقته بالله تعالى فقط، بل هو علاقة لها أبعاد تربويّة واجتماعيّة أيضاً مع سائر المؤمنين الذين ليس بينهم إلّا رباط الأخوّة الإيمانيّة كما نفهم من صيغة الحصر "إنّما" في سورة الحجرات، التي تحصر العلاقة بين المؤمنين بالأخوَّة، ولذا قالت الآية: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
أ- حقّ أخيك
والمستفاد من الآية الكريمة أنّ أخوَّة الإيمان من الأصول الاجتماعيّة في الدين الإسلامي؛ التي يؤمر المؤمن بتأصيلها في حياته الاجتماعيّة بحيث لا تبقى بين المؤمنين إلّا الأخوّة، وتترتّب عليها مجموعة من الواجبات تجاه بعضهم البعض، وهو ما نفهمه بوضوح من الروايات الشريفة.
ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ عَيْنُه ودَلِيلُه لَا يَخُونُه ولَا يَظْلِمُه ولَا يَغُشُّه ولَا يَعِدُه عِدَةً فَيُخْلِفَه"(1).
ونجد المظهر الأكمل لهذه الأخوّة في ما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق، "وحقُّ أخيكَ، أن تعلمَ أنَّه يدكَ الّتي تبسطُها، وظهرُك الذي تلتجئُ إليهِ، وعزُّك الذي تعتمدُ عليهِ، وقوَّتك التي تصولُ بها، فلا تتّخذْهُ سلاحاً على معصيةِ اللهِ، ولا عُدَّةً للظلمِ لخلقِ اللهِ، ولا تدعْ نصرتَه على نفسِه ومعونَتَه على عدوِّهِ، والحؤولَ بينَه وبينَ شياطينِه، وتأديةَ النصيحةِ إليهِ، والإقبالَ عليهِ في اللهِ، فإنِ انقادَ لربِّهِ وأحسنَ الإجابةَ لهُ، وإلَّا فليكُن اللهُ آثرَ عندَكَ وأكرمَ عليكَ منهُ"(2).
والرواية ترشد إلى أنّ الأخ هو الذي اتّحد بأخيه اتّحاداً تامّاً، حتّى أصبحت يد أحدهما يد الآخر، وعزّ أحدهما عزّ الآخر.
ب- السكينة والاطمئنان
ويُبرِزُ بعض الروايات عنصراً مهماً يترتّب على الأخوة وهو السكينة والاطمئنان، لأنّ المؤمن يشعر شعوراً صادقاً براحة نفسيّة مع أخيه المؤمن. وهي السكينة التي أنزلها الله تعالى على المؤمنين، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (الفتح: 47). قال بعض المفسِّرين إنّ السَّكِينَةَ هي الرحمة التي تسكن إليها النفس ويزول معها الخوف(3). وهي تدلّ في بعض استعمالاتها على الثبات والطمأنينة. ورد عَنْ الإمام الصادق عليه السلام أنه قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَسْكُنُ إِلَى الْمُؤْمِنِ كَمَا يَسْكُنُ الظَّمْآنُ إِلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ"(4).
إذاً, للأخوّة الإيمانية دور رائد في بناء الشخصيّة المؤمنة، وتشييد أركان المجتمع الإسلاميّ.
* الأصل الثاني: الإصلاح بين المؤمنين
يترتّب على الأخوّة الإيمانيّة تكليف هامّ في الحياة الاجتماعيّة وهو الإصلاح بين المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10)، و﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (الحجرات: 9).
وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو المسلمين وتأمرهم بالاجتماع والتآلف، وتنهى عن التفرّق والاختلاف المؤدّيَين إلى التنازع والفشل.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "صَدَقَةٌ يُحِبُّهَا الله: إِصْلَاحٌ بَيْنِ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا وتَقَارُبٌ بَيْنِهِمْ إِذَا تَبَاعَدُوا"(5).
*الأصل الثالث: رعاية حرمة المؤمن
قال تعالى في سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(الحجرات: 11).
تحذّر هذه الآية من ثلاثة أمور تؤدّي إلى هتك حرمة المؤمن والإساءة إلى شخصيّته، وهذه الأمور هي: السخرية، اللمز، والتنابز بالألقاب.
أ- لا تسخروا
وقد حرّم الإسلام السخرية التي يمارسها بعض الناس بحق بعضهم الآخر لشعورهم بالتفوّق عليهم في بعض الصفات، أو الأفعال، أو المناصب، ممّا يجعل صاحب الصفة الجيّدة وبإيحاء شيطانيّ يتعالى على الآخرين ويحتقرهم باعتبارهم أقلّ منه درجة، وكذا اعتَبر اللّمز والتنابز بالألقاب من الأخلاق المذمومة، كونها تؤدّي إلى هتك الحرمات والإساءة إليها وتخطّي كل الحدود واللياقات في العلاقة بالآخر.
وتتحدّث الآية 12 عن ثلاثة أمور أخرى تؤدّي نفس مؤدّى الآية 11 ولكن مضافاً إلى البعد الشخصي لها هناك بعد اجتماعيّ، وهذه الأمور هي: سوء الظنّ، التجسّس، الغيبة. وتعتبرها من المحرمات التي تؤدّي إلى مفاسد اجتماعية كثيرة ومخاطر كبيرة. قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: 12).
ب- اجتناب ظنّ السوء
والمراد بالظنّ المأمور بالاجتناب عنه، ظنّ السوء، لأنّ ظنّ الخير مندوب إليه. روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِه حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْه ولَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلاً"(6).
والاجتناب عن الظن يعني الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كأنْ يظن بأخيه المؤمن سوءاً فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره (7).
ج- ولا تجسّسوا
والتجسّس هو تتبّع ما استتر من أمور الناس للاطلاع عليها، ولذا قيل: معنى الآية لا تتبعوا عيوب المسلمين لتكشفوا الأمور التي سترها أهلها(8). قال تعالى: ﴿.. وَلا تَجَسَّسُوا﴾ عن معايب المؤمنين، وإنّما تحسّسوا عن محاسنهم، إظهاراً للجميل وستراً للقبيح، والتجسّس عن أسرار المؤمنين محظور بأيّ لون وعلى أية حال.
ونهت الآية عن التجسّس مطلقاً، فالبحث عن أسرار الآخرين الخفية، ممّا لا يريدون اطّلاع الناس عليها، لأنّ الله أعطى الحياة الخاصة حرمة شرعيّة وجعل للإنسان الحقّ في منع غيره من الاعتداء عليها.
وحينئذٍ، يكون الإنسان المسلم محترم الكرامة ومصون العرض والمال والدم ومكفول الحرية في المجتمع الإسلاميّ الذي يتكافأ فيه الجميع ويعيشون فيه متساوين. وبهذا وضع الإسلام قاعدة كليّة عامّة وشاملة لكلّ أفراد المجتمع يتساوى فيها الضعيف والقوي والرجل والمرأة والرئيس والمرؤوس والعربي والأعجمي.
روي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله [الصادق] عليه السلام يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِه ولَمْ يُخْلِصِ الإِيمَانَ إِلَى قَلْبِه لَا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ ولَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَه ومَنْ تَتَبَّعَ الله تَعَالَى عَوْرَتَه يَفْضَحْه ولَوْ فِي بَيْتِه"(9).
*الأصـل الرابـع: منهج تلقّي الأخبار
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6).
تتحدّث هذه الآية عن أحد أهم الواجبات الاجتماعية والمؤثّرة في تماسك المجتمع ووحدته، وهو تلقّي الأنباء والأخبار والمعلومات وتناقلها فيما بينهم. والآية خطاب من الله عزَّ وجلَّ للمؤمنين بأنّه إذا جاءكم فاسق - وهو الخارج عن طاعة الله إلى معصيته - "بنبأ" - أي بخبر - "فتبينوا" صدقه من كذبه ولا تبادروا إلى العمل بما تضمّنه "أن تصيبوا قوماً بجهالة" لأنّه ربما كان كاذباً وخبره كذباً، فيؤدّي العمل به إلى: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ﴾.
يقول العلّامة الطباطبائي (رضوان الله عليه) في تفسير الآية: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بخبر، ذي شأن فتبيّنوا خبره بالبحث والفحص للوقوف على حقيقته حذر أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصيروا نادمين على ما فعلتم بهم".
وعليه، فإنّ الأخذ والرفض في الأنباء ليسا فوضى دون حساب، وإنما لكلّ ميزان عادل، فلا يؤخذ خبر الفاسق إلّا أن يتبيّن صدقه، ولا يرفض خبر العادل إلّا أن يتبيّن خطأه.
وأخبار الفاسقين، سببٌ رئيسٌ في الصراعات والمشاكل الاجتماعيّة التي تعصف بالمجتمع وبالمؤمنين. ومن الواضح أنّنا حينما ننظر إلى واقع المسلمين اليوم نجد أنّ الذين يذكّون نار الصراع بينهم هم في الأغلب أبعد الناس عن القيم، فإذا استطاع المؤمنون إبعاد أثر الفسقة عن تجمّعاتهم قدروا على سدّ أكبر ثغرة تهدّد كيانهم.
(*)أستاذ في جامعة المصطفى
العالمية، بيروت.
1- الكافي، الكليني، ج2، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، ص 166.
2- تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ابن شعبة الحراني، رسالته عليه السلام في جوامع الحقوق، ص 263.
3- التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ج5، ص 199.
4- الكافي، م.ن. ص 247.
5- م.ن. ص 209.
6- م.ن، ص 362.
7- الميزان في تفسير القرآن، العلّامة الطباطبائي، ج18، ص 325.
8- م.ن.
9- الكافي، م.ن، ص 354.
1- الكافي، الكليني، ج2، باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، ص 166.
2- تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ابن شعبة الحراني، رسالته عليه السلام في جوامع الحقوق، ص 263.
3- التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ج5، ص 199.
4- الكافي، م.ن. ص 247.
5- م.ن. ص 209.
6- م.ن، ص 362.
7- الميزان في تفسير القرآن، العلّامة الطباطبائي، ج18، ص 325.
8- م.ن.
9- الكافي، م.ن، ص 354.
آداب إسلامية من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن المتأمل في كتاب الله تبارك
وتعالى يجد أنه تناول فيه كل شيء، ففيه الهدى والنور، من تمسك به نجا، ومن أعرض
عنه خسر وخاب في الدنيا والأخرى، تكلم على العقائد والأحكام، والآداب
والأخلاق، وسنستعرض بعض الآداب التي تعرضت لها
سورة الحجرات، فاللهم سدد، وجنب الزلل في القول والعمل، وأقول:
سورة الحجرات سورة مدنية[1]، وقال القرطبي:
"سورة الحجرات مدنية بإجماع، وهي ثماني عشرة آية"[2]، والمراد حجرات نسائه عليه الصلاة والسلام
وكانت تسعة لكل منهم حجرة[3].
ثم إن هذه السورة الكريم اشتملت
على الأدب مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأدب مع المؤمنين، ونبدأ بالآداب
التي مع الله ورسوله وذلك في مطلع السورة في قوله تبارك وتعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ
تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ
الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ
يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ
صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات:1- 5].
هَذِهِ آدَابٌ، أَدَّبَ اللَّهُ
بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُعَامِلُونَ بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّبْجِيلِ
وَالْإِعْظَامِ، فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ ﴾،
أَيْ: لَا تُسْرِعُوا فِي الْأَشْيَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ: قَبْلَهُ، بَلْ
كُونُوا تَبَعًا لَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ لَا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: لَا تَقُولُوا
خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلُهُ:﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ ﴾: هَذَا أَدَبٌ ثَانٍ أَدَّبَ
اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بَيْنَ يَدَيِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ صَوْتِهِ [4].
وقال ابن سعدي: "وهذا أدب مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خطابه، أي: لا يرفع المخاطب له، صوته معه، فوق
صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم،
وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره،
في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن
في عدم القيام بذلك، محذورًا، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب
معه، من أسباب حصول الثواب و قبول الأعمال.
ثم مدح من غض صوته عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى، أي: ابتلاها واختبرها، فظهرت
نتيجة ذلك، بأن صلحت قلوبهم للتقوى، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم، المتضمنة لزوال
الشر والمكروه، والأجر العظيم، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى"[5].
ومن الآداب في هذه الآيات أن الله
تبارك وتعالى نهى عن مناداة رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه مجرداً كما فعل
الأعراب الذين وصفهم الله بالجفاء، قال ابن سعدي: " فذمهم الله بعدم العقل،
حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أن من العقل وعلامته استعمال
الأدب، فأدب العبد عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير، ولهذا قال: ﴿ وَلَوْ
أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
أي: غفور لما صدر عن عباده من الذنوب، والإخلال بالآداب، رحيم بهم، حيث لم يعاجلهم
بذنوبهم بالعقوبات والمثلات"[6].
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ
تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات:6]، ففي هذه الآية أدب من الآداب المشروعة بين
الناس بعضهم مع بعض في نقل الأخبار وأن التثبت أمر ضروري، يقول الحافظ ابن كثير:
"يَأْمُرُ تَعَالَى بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ ليُحتَاطَ لَهُ؛
لِئَلَّا يُحْكَمَ بِقَوْلِهِ فَيَكُونَ -فِي نَفْسِ الْأَمْرِ-كَاذِبًا أَوْ
مُخْطِئًا، فَيَكُونَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ قَدِ اقْتَفَى وَرَاءَهُ، وَقَدْ
نَهَى اللَّهُ عَنِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُفْسِدِينَ، وَمِنْ هَاهُنَا امْتَنَعَ
طَوَائِفُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَبُولِ رِوَايَةِ مَجْهُولِ الْحَالِ
لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَبِلَهَا آخَرُونَ لِأَنَّا
إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالتَّثَبُّتِ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهَذَا لَيْسَ
بِمُحَقَّقِ الْفِسْقِ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ"[7].
وقال السعدي: "وهذا أيضًا، من
الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق
بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في
الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من
تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب
عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق،
وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول، وخبر
الكاذب، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه"[8].
ومن الآداب التي ذكرها الله تبارك
وتعالى في هذه السورة الإصلاح بين المسلمين كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ
إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ
وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات:9-10]، قال ابن كثير: " يَقُولُ تَعَالَى
آمِرًا بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْبَاغِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: ﴿ وَإِنْ
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾، فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ مَعَ
الِاقْتِتَالِ. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْمَعْصِيَةِ وَإِنْ عَظُمَتْ، لَا كَمَا يَقُولُهُ
الْخَوَارِجُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ.
وَقَوْلُهُ:
﴿ فَإِنْ
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ
إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾
أَيْ: حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَتَسْمَعَ لِلْحَقِّ وَتُطِيعَهُ،
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلم قَالَ: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)). قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَصَرْتُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟
قَالَ: ((تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمَ، فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ))[9]"[10].
وقال ابن سعدي: "وفي هاتين
الآيتين من الفوائد: أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية، ولهذا، كان
من أكبر الكبائر، وأن الإيمان، والأخوة الإيمانية، لا تزول مع وجود القتال كغيره
من الذنوب الكبار، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى وجوب
الإصلاح، بين المؤمنين بالعدل، وعلى وجوب قتال البغاة، حتى يرجعوا إلى أمر الله،
وعلى أنهم لو رجعوا، لغير أمر الله، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه
والتزامه، أنه لا يجوز ذلك، وأن أموالهم معصومة، لأن الله أباح دماءهم وقت
استمرارهم على بغيهم خاصة، دون أموالهم"[11].
ومن الآداب التي اشتملت عليها هذه
السورة أن الناس ربما تقع بينهم بعض القبائح والتصرفات الذميمة فعالج الله هذه
الصفات والقبائح وهي السخرية والاستهزاء وكذلك الهمز واللمز والتنابز بالألقاب،
والظن السيئ بالمسلمين ونهى عن التجسس، والغيبة كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا
خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا
مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ
الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ * يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات:11-12]، يقول
ابن كثير: "يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كَثِيرٍ
مِنَ الظَّنِّ، وَهُوَ التُّهْمَةُ وَالتَّخَوُّنُ لِلْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ
وَالنَّاسِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ يَكُونُ إِثْمًا مَحْضًا،
فَلْيُجْتَنَبْ كَثِيرٌ مِنْهُ احْتِيَاطًا"[12].
قال العلامة ابن سعدي: "من
حقوق المؤمنين، بعضهم على بعض، أن ﴿ لا
يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾
بكل كلام، وقول، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام، لا يجوز، وهو دال
على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، كما هو الغالب
والواقع، فإن السخرية، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق
ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه
المسلم))[13]، ثم قال:
﴿ وَلا
تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾
أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه
حرام، متوعد عليه بالنار.
كما قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ
لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾
الآية، وسمي الأخ المؤمن نفسًا لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم
كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك.
﴿ وَلا
تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ﴾
أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز، وأما
الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا.
﴿ بِئْسَ
الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ﴾
أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره
ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب.
﴿ وَمَنْ
لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فهذا هو الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق
أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة على ذمه"[14].
وقال ابن كثير: "وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلا
تَجَسَّسُوا ﴾
أَيْ: عَلَى بَعْضِكُمْ بَعْضًا. وَالتَّجَسُّسُ غَالِبًا يُطْلَقُ فِي الشَّرِّ،
وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ. وَأَمَّا التَّحَسُّسُ فَيَكُونُ غَالِبًا فِي الْخَيْرِ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ
قَالَ: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾ [يوسف:
87]، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الشَّرِّ، كَمَا ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا
تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا
عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا))[15].
وَقَوْلُهُ:
﴿ وَلا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾
فِيهِ نَهْيٌ عَنِ الْغَيْبَةِ، وَقَدْ فَسَّرَهَا الشَّارِعُ كَمَا جَاءَ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْغِيبَةُ؟ قَالَ: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا
يَكْرَهُ))، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((إِنْ
كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا
تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ))[16].
وقال العلامة الشنقيطي:
"وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ
السُّخْرِيَةِ جَاءَ ذَمُّ فَاعِلِهِ وَعُقُوبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي غَيْرِ
هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿ الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ... ﴾ [التوبة:79].
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ
الْكُفَّارَ الْمُتْرَفِينَ فِي الدُّنْيَا كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْ ضِعَافِ
الْمُؤْمِنِينَ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ أُولَئِكَ يَسْخَرُونَ مِنَ
الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿ زُيِّنَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا... ﴾ [البقرة:212]،
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ
أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ
يَتَغَامَزُونَ ﴾
إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ
ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين:29-36].
فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى
مُسْلِمًا فِي حَالَةٍ رَثَّةٍ تَظْهَرُ بِهَا عَلَيْهِ آثَارُ الْفَقْرِ
وَالضَّعْفِ أَنْ يَسْخَرَ مِنْهُ؛ لِهَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا
تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾،
أَيْ: لَا يَلْمِزْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي سُورَةِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿ إِنَّ
هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء:9].
وَقَدْ أَوْعَدَ اللَّهُ جَلَّ
وَعَلَا الَّذِينَ يَلْمِزُونَ النَّاسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَيْلٌ
لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾
[الهمزة:1]،
وَالْهُمَزَةُ كَثِيرُ الْهَمْزِ لِلنَّاسِ، وَاللُّمَزَةُ كَثِيرُ اللَّمْزِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
الْهَمْزُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَالْغَمْزِ بِالْعَيْنِ احْتِقَارًا وَازْدِرَاءً،
وَاللَّمْزُ بِاللِّسَانِ، وَتَدْخُلُ فِيهِ الْغَيْبَةُ.
وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ تَعَالَى
بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾،
وَنَفَّرَ عَنْهُ غَايَةَ التَّنْفِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ
يَتَبَاعَدَ كُلَّ التَّبَاعُدِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ"[17].
وقال العلامة ابن سعدي: "وفي
هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله
شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر"[18].
فهذه بعض الآداب الإسلامية التي
ورد ذكرها في السورة، نكتفي بذكرها، نسأل الله أن يوفقنا لطاعته ورضاه، والحمد لله
رب العالمين.
0 تعليق على موضوع : بحث جاهز عن التربية الاخلاقية في ضوء سورة الحجرات
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات