-->
نفيد ونستفيد التعليمية نفيد ونستفيد التعليمية
مركز الخليج
ملاحظة : كل ما يطرح بمدونة نفيد ونستفيد التعليمية هو ملك للجميع وليس محتكر لأحد
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

فض الخلاف والاصلاح بين المؤمنين







تمهيد
إنّ صلاح العمل من الأمور العظيمة والمهمّة التي ذكرها القرآن الكريم "فالصلاح المطلق في الإنسان: هو القدم الأوّل والمرحلة الأولى في سيره إلى الكمال، وما لم يتحصّل هذا القدم: لا يتيسّر له السلوك والخروج عن عالم الحيوانيّة، بل جريان أمره يكون في اختلال وفساد. نعم قد ذُكر في كلام الله تعالى: أنّ اللقاء وهو آخر مراحل الكمال والسعادة، يتوقّف على حصول أمرين، الصلاح والإخلاص. فقال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. والإخلاص هو حقيقة التوحيد الحقّ. وأمّا التقييد بصلاح العمل: فانّ الصلاح في العمل هو آخر درجة منه، وهو لا يتحقّق إلَّا بعد صلاح الباطن..."1.

ومن هنا يكتسب الإصلاح بين الناس الأهمية القصوى كما سنبيّن.


127


شرح مفردات الآية
طَائِفَتَانِ: الطائفة عبارة عن جماعة لهم ارتباط وسابقة وحركة وتردّد إلى الجانب الَّذى هو المنظور2.

فَأَصْلِحُوا: الصَّلَاحُ: ضدّ الفساد، وهما مختصّان في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقوبل في القرآن تارة بالفساد، وتارة بالسّيّئة3. الإصلاح ينتفي بتحقّق الإفساد4.

بَغَتْ: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بَغَيْتُ الشيء: إذا طلبت أكثر ما يجب، وابْتَغَيْتُ كذلك، قال الله عزّ وجلّ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ﴾، وقال تعالى﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ. والبَغْيُ على ضربين: أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والفرض إلى التطوّع. والثاني مذموم، وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه....5.

تَفِيءَ: هو التّحنّي بعد التجبّر. ومن لوازمه: العود، والرجوع، والتقلُّب، والتحوّل. ومن مصاديقه: حصول الظلّ بعد حرارة الشمس. وتحنّي الزوجة وانعطافها بعد قهرها. قوله تعالى﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ يراد الانعطاف والتحنّي والخضوع بعد الإيلاء والبغي، وليس بمعنى الرجوع، فإنّ مطلق الرجوع من دون خضوع وتحنٍّ وانكسار، لا فائدة فيه. وهذا لطف التعبير بالمادّة6.


128


بِالْعَدْلِ: عدل: هو توسّط بين الإفراط والتفريط بحيث لا تكون فيه زيادة ولا نقيصة، وهو الاعتدال والتقسّط الحقيقيّ. وبمناسبة هذا الأصل تطلق على الاقتصاد والمساواة والقسط والاستواء والاستقامة، كلّ منها في مورد مناسب مع لحاظ القيد7.

وَأَقْسِطُوا: هو إيصال شيء إلى مورده وإيفاء الحقّ إلى محلَّه. وهذا المعنى إنّما يتحقّق في مقام إجراء العدل وإعماله في الخارج. ومن مصاديقه: إيصال النفقة وتفريقها على العيال. ويظهر من ذكر الإقساط بعد العدل: أنّ الإقساط يغاير العدل ويتحقّق بعده، فإنّه تطبيق العدل في الخارج وإجراؤه8.

المعنى الإجمالي
إنّ الآية الكريمة هي علاج للآثار الخطيرة التي قد يُحدثها خبر الفاسق في المجتمع، فلو حصل بسبب إخباره اقتتال بين المؤمنين، فإنّ الواجب على الآخرين من المجتمع الإيماني الإصلاح بينهم، فالآية تكملة لإبراز أخطر ما يمكن أن يوقعه الفاسق في المجتمع الإيماني، فإنّ نفس التفكير بالوصول إلى هذه النتيجة يُشدّد على المؤمنين كيفية تعاطيهم مع الأنباء. فالآية متّصلة مع ما سبق من آية النبأ بهذا البيان: أنّ الله لمّا حذّر المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق، أشار إلى ما يلزم منه استدراكاً لما يفوت، فقال فإن اتفق أنّكم تبنون على قول من يوقع بينكم، وآل الأمر إلى اقتتال طائفتين من المؤمنين، فأزيلوا ما أثبته ذلك الفاسق وأصلحوا بينهما.

ولذلك الآية من الناحية اللغوية بدأت بحرف العطف "واو العاطفة" وهي تدلّ على عطف الجملة الشرطية في هذه الآية على الجملة الشرطية في آية النبأ، ولأنّ العلاقة العاطفة بالواو هو بين جملتين، فلا يوجد بينهما كمال الاتصال ولا يوجد بينهما كمال الانقطاع ومن هنا تظهر لطافة العطف.


129


قوله﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لا يدلّ على أنّهما إذا اقتتلا بقيا على الإيمان، ويطلق عليهما هذا الاسم، بل لا يمتنع أن يفسق أحد الطائفتين أو يفسقا جميعاً، وجرى ذلك مجرى أن تقول: وإن طائفة من المؤمنين ارتدّت عن الإسلام فاقتلوها.

ثم قال﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ أي فإن بغت إحدى الطائفتين على الأخرى بأن تطلب ما لا يجوز لها وتقابل الأخرى ظالمة لها متعدية عليها﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي لأنّها هي الظالمة المتعدّية دون الأخرى﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ أي حتى ترجع إلى أمر الله وتترك قتال الطائفة المؤمنة. ثم قال "فإن فاءتأي رجعت وتابت وأقلعت وأنابت إلى طاعة الله﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا يعني بينها وبين الطائفة التى كانت على الإيمان ولم تخرج عنه بالقول، فلا تميلوا على واحدة منهما ﴿وَأَقْسِطُوا أي اعدلوا ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يعني العادلين، يقال: أقسط إذا عدل، وقسط إذا جار9.
المعنى التفصيلي
في رواياتنا أن الآية الكريمة نزلت وهي تشير إلى ما سيقع من أحداث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها مَا ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: قَالَ عزّ وجلّ‏ ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ الْآيَةُ، قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم  إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى التَّأْوِيلِ مِنْ بَعْدِي كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مَنْ هُوَ فَقَالَ خَاصِفُ النَّعْلِ بِالْحُجْرَةِ، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَخْصِفُ نَعْلَ رَسُولِ اللهِ"10. ونذكر معنى الآية الكريمة ضمن النقاط التالية:
أوّلاً: تُعالج آيات القرآن عادة أسوء الحالات قبل الحديث عن الحالات العادية، فمثلاً حين تُبيّن سورة النساء العلاقات الاجتماعية تستهلّها بمعالجة حالة


130


الطلاق التي هي عقدة العلاقة الأسرية، وكذلك سورة النور التي ترسم حدود الأسرة الفاضلة تبتدئ ببيان حدّ الزنا، وسورة المائدة التي تبني كيان الحضارة الإسلامية نراها تُحدّثنا في فاتحتها عن حرمة الاعتداء على أموال اليتامى الذين هم أضعف الحلقات الاجتماعية، وهنا أيضاً تعالج الآيات أعقد حالات الخلاف وهي حالة الاقتتال أولاً ثم تتدرّج في الحديث عن سائر الحالات الأقل تعقيداً. لماذا كلّ ذلك؟ يبدو أنّ وراء كلّ ذلك حكمتين:
الأولى: لبيان الغاية التي سوف تنتهي إليها تسلسل الحالات، لكي لا يُستهان بمبدئها، فالخلافات الجزئية التي نستخفّ عادة بها والشائعات التي نبثّها هنا وهناك ضدّ بعضنا بلا وازع، قد تنمو حتى تُصبح صراعاً دموياً بين طائفتين من البشر. فلكي نرى الحقائق لا بدّ أن نضرب لها مثلاً واضحاً ثم نقيس عليه سائر الأمثلة.

الثانيةإنّ عظمة الشريعة تتمثّل في معالجة الحالات الشاذّة البالغة حدّها في التعقيد، أما الأوضاع العادية فإنّ التعامل معها سهل ميسور.

فمعالجة حالة الطلاق أو الخيانة الزوجية (الزنا) هي المقياس لقدرة الشريعة على وضع نظام صائب لشؤون الأسرة، كما أنّ الحفاظ على أموال اليتيم دليل على مدى صلاحية النظام الاقتصادي في المحافظة على حقوق الناس.

كذلك معالجة مشكلة الحرب الأهلية تشهد على مدى صلاحية النظام الاجتماعي في مواجهة التحديات11.

ثانياًالآية الكريمة تُبيّن قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمن من الخصام والتفكّك، تحت النزوات والاندفاعات. وتأتي تعقيباً على تُبيّن


131


خبر الفاسق، وعدم العجلة والاندفاع وراء الحمية والحماسة، قبل التثبُّت والاستيقان.

وسواء كان نزول هذه الآية بسبب حادث معيّن كما ذكرت الروايات، أم كان تشريعاً لتلافي مثل هذه الحالة التي ستحصل وهو الأرجح حسب روايتنا، فهو يُمثّل قاعدة عامّة محكمة لصيانة الجماعة الإسلامية من التفكُّك والتفرُّق. ثم لإقرار الحقّ والعدل والصلاح. والارتكان في هذا كلّه إلى تقوى الله ورجاء رحمته بإقرار العدل والصلاح.

والقرآن قد واجه - أو هو يفترض - إمكان وقوع القتال بين طائفتين من المؤمنين. ويستبقي لكلتا الطائفتين وصف الإيمان مع اقتتالهما، ومع احتمال أنّ إحداهما قد تكون باغية على الأخرى، بل مع احتمال أن تكون كلتاهما باغية في جانب من الجوانب.
وهو يُكلّف الذين آمنوا - من غير الطائفتين المتقاتلتين طبعاً - أن يقوموا بالإصلاح بين المتقاتلين. فإن بغت إحداهما فلم تقبل الرجوع إلى الحقّ - ومثله أن تبغيا معاً برفض الصلح أو رفض قبول حكم الله في المسائل المتنازع عليها - فعلى المؤمنين أن يقاتلوا البغاة إذن، وأن يظلّوا يقاتلونهم حتى يرجعوا إلى أمر الله. وأمر الله هو وضع الخصومة بين المؤمنين، وقبول حكم الله فيما اختلفوا فيه، وأدّى إلى الخصام والقتال12.

ثالثاً: رغم أنّ الأخوّة الصادقة والصلح البالغ هما لزام الإيمان كما خوطبوا به، إلا أنّ هناك - وبين غير الكاملين في الإيمان، أو الجاهلين والمتجاهلين شرائط الإيمان - نزوات ونزعات واندفاعات فخصامات وحميات وحماسات فتفكّكات ومنازعات شاسعة عن ساحة الإيمان، قد تتخطّى التلاسن والتضارب


132


إلى مقاتلات، ومهما يكن من شي‏ء فالمؤمن لا يحارب أخاه إلا على تكلّف، وعلّ الاقتتال الملمَّح - إليه، دون التقاتل - يعنيه "اقتتلا" لا "تقاتلا" حيث الاقتتال افتعال للقتال متكلّف وليس فعلاً مقصوداً وبين المؤمنين الإخوة!.

فلا بدّ إذاً من صيانة إلهية تُصوَّن على هذه الفوارق الدامية، وتعتلج ما تختلج في خلد الإيمان من فكرة الاقتتال، ومن ثم واقعه إذا حصل، ألا وهي استنفار سائر المؤمنين لمواجهة المشكلة الداخلية إصلاحاً، مهما كان الثمن غالياً ولو كان القتال قضاءً على قتال.

من هم المأمورون بالإصلاح؟
هذا السؤال في غاية الأهمية لأنّه إن لم نُحدّد مسبقاً من هم الذين لهم شأنية الإصلاح بين المؤمنين فقد نولّد فوضى أصعب في بعض الأحيان من الاقتتال نفسه.
وترى من هم المأمورون بالإصلاح، أو القتال إذا لزم الأمر؟ فهل إنّه أمر فوضى بين دويلات صغيرة إسلامية - إن صحّ التعبير- وبين شعوب متشعّبة حسب الدويلات، فيزيد ويلات على ويلات، لأنّهم مختلفون في اجتهادات أو سياسات؟!.

كلا! إنّه أمر موجّه إلى سائر المؤمنين العائشين تحت قيادة واحدة إسلامية، دولة إسلامية واحدة بشعبها الموحّد، لا تفصل بينهم قوانين أو حدود، فالآية هذه وأضرابها تلميح أو تصريح بضرورة تأسيس دولة واحدة إسلامية، لا دويلات هي ويلات على المسلمين، وأماكن استعمار للكافرين.
المبادئ الاجتماعية المستفادة من الآية 
1-
إصلاح ذات البين: ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو المسلمين وتأمرهم بالإجماع والتآلف، وتنهى عن التفرُّق والاختلاف المؤدّيين إلى التنازع والفشل، فمن هذه الآيات قوله تعالى﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا


133


وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ13. ومنها قوله تعالى﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ14. ومنها قوله﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ15. ومنها آية الإصلاح مورد البحث، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى. وهي كلّها تدلّ على وجوب وحدة الأمة والعمل على سلامة هذه الوحدة وصيانتها من العبث والبغي، وهذه الآيات جميعاً جاءت متّفقة على الأمر بالوحدة والنهي عن التشتّت والافتراق والاختلاف، لما ينجم عن ذلك عادة من التنازع والفشل الممقوت، وذلك لا يتأتّى إلا إذا كان إمامها واحداً لا ينازعه أحد، وهو ما يطرحه بعض الفقهاء في الفقه الإمامي بعنوان "وحدة الولي الفقيهبعد المفروغية عن أصل الولاية العامة له. إذ إنّ وجود إمامين فأكثر يؤدّي إلى التنازع، وينجرّ إلى الشقاق والتناحر لا محالة، وهذا ممّا نهى الإسلام عنه، فدلّ على وجوب أن يكون إمام المسلمين واحداً، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب.

وإنّ وجوب إصلاح ذات البين وهو خلق شريف وعمل فاضل حثّ عليه القرآن الكريم. قال تعالى﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ. فإنّ إصلاح ذات البين وإيجاد التفاهم وقلع الكدر والبغضاء من صدور المسلمين، وتبديل كل ذلك بالمحبّة، يُعدّ من أهمّ الأغراض الإسلامية. وكلمة "ذات" تعني الخلقة والبنية وأساس الشيء، والبين يعني حالة الارتباط والعلاقة بين شخصين أو شيئين. فبناء على هذا فإنّ إصلاح ذات البين يعني إصلاح أساس الارتباطات، وتقوية العلاقات وتحكيمها، وإزالة عوامل التفرقة والنفاق.


134


جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في كتاب الكافي أنه قال"صَدَقَةٌ يُحِبُّهَا الله إِصْلَاحٌ بَيْنِ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا وتَقَارُبٌ بَيْنِهِمْ إِذَا تَبَاعَدُوا"16.

2-
الانتصار للمظلوم (إحقاق الحقّ لا فضّ النزاع): الانتصار للمظلوم حتى ينال حقّه وهذا خلق إذا نما فى الأمة علّمها العزّة ورفع عنها الذلة وزادها ارتباطاً وحباً وأخوّة وقرباً.

لأنّه قد يُعتقد أنّ الهدف من الصلح هو إنهاء النزاع مع أنّ المفهوم من سورة الحجرات أنّ الإصلاح بين الأطراف - سواء كانت دائرته بين الأفراد والجماعات، أم بين الأزواج والزوجات والأقارب والأرحام أم بين المتداينين أم في الأموال والدماء وفي النزاع والخصومات، فإنّه في كل هذه الصور - الهدف من الصلح هو إحقاق الحقّ لا فصل الخصومة، فلا نكتفي بفصل الخصام والنزاع بل يجب إحقاق العدل في الخارج وهو ما عبّرت عنه الآية الكريمة "بالقسطوأن من فعل ذلك صار مورداً للحبّ الإلهي "إنّ الله يُحبّ المقسطين" ولعلّ هذه النقطة هي نقطة فارقة بين القانون المدني والقانون الإسلامي، فالقانون المدني كلّ ما يعنيه هو حلّ النزاع بين الطرفين ولا شغل له بأن تصل الحقوق إلى مستحقّيها أو لا، فهو يقوم بحلّ النزاع بسلطة القانون أمّا الإسلام لا يكتفي بحلّ النزاع لأنّ ذلك عنده مقدمة لأمر أساس وهو إحقاق العدل الاجتماعي بين الناس، ولا يقبل بتضييع حقوق المظلومين وتكريس سلطة الظالمين، بدعوى أنّ القانون يحكم بذلك. على أنّ فضّ الاشتباك أو حلّ النزاع هو حلٌّ مؤقت قد ينتهي بانتهاء الظروف التي انتجت الصلح، أمّا إيصال الحقوق وتحقيق العدل هو حلٌّ دائم، لأنّه إنهاء لمادة النزاع من جذوره لا تأجيل له.

3-
وجوب التصدّي للعدوان: إنّ الحفاظ على وحدة المجتمع الإسلامي وتماسكه هي من أهمّ الوظائف التي دعت إليها السورة المباركة، وفي سبيل الحفاظ على هذه


135


الوحدة والبنية المجتمعية يجب فعل أيّ شيء ممكن ومشروع للوصول إلى ذلك والحيلولة دون تفكيك المجتمع. واعتبرت السورة كما قلنا أنّ الفتنة والاقتتال هي أخطر المظاهر على بنية ووحدة المجتمع، فيجب على المؤمنين الإصلاح بين المتقاتلين، وإذا لم ينفع ذلك فعليهم قتال الفئة الباغية وصدّ عدوانها، لأنّ الهدف من هذا القتال إرجاع وحدة وتماسك المجتمع في قبال القتال الذي يستهدف تفكيك المجتمع وجعله دويلات فهو ردع للقتال المفسد والفاسد بقتال مصلح وصالح. ولذا يجب التصدّي للعدوان وتغييره وإقامة العدل مهما كانت العوائق فى سبيل ذلك17.

كاتب الموضوع

مدونة نفيد ونستفيد

0 تعليق على موضوع : فض الخلاف والاصلاح بين المؤمنين

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    الموقع فلسطيني بامتياز

    التسميات

    للتواصل والاستفسار

    مركز الخليج قبل المغادرة نتمنى ان نكون عند حسن الظن

    هدف المدونة

    العمل بقدر من الأمانة في توصيل مجموعة وسلسلة من الأبحاث والتقارير العلمية بكافة التخصصات المعدة مسبقا للعمل بالوصول بجيل الكتروني راقي ولنرتقي بالتواصل الايجابي والعمل على كسب الثقة من واقع المعلومة
    تحياتي لكم أخوكم محمود وادي

    المتواجدون الان

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    نفيد ونستفيد التعليمية

    2019