الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين:
أ. تعريف الصياغة:
لغة: من صاغ الكلام يصوغه صوغا، أي حبّره.
والمراد بالصياغة في الدعوى والدفوع: أداؤها مكتوبة مرتبة محكمة مستوفية لموضوعها بلغة سليمة واضحة ومختصرة ملتزمة بمصطلحات الفن.
والصياغة منها ما يتعلق بالموضوع ومنها ما يتعلق بسبك الكلام وحسن تنظيمه.
وللكلام ثلاثة وجودات:
1 - وجود خارج الذهن.
2 - وجوده داخل الذهن.
3 - وجوده ملفوظاً أو مكتوباً.
وثمرة كل شيء تكون بإيصاله إلى طالبيه، ولا يكون هذا إلا بالإفصاح والسبك والترتيب.
وصياغة الدعوى والدفوع هي مهارة، وعلى كل مختص بها أن يتقنها.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: « من شروط العالم في كل فن أن يكون قادرا على التعبير عن مقصوده ».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: « ليس كل من وجدَ العلم قَدِر على التعبير عنه والاحتجاج له، فالعلم شيء، وبيانه شيء آخر».
والناس مراتب في صياغة الدعوى والدفوع، وذلك أن الاتقان على درجات، والصياغة تحتاج إلى ملكات علمية (موضوعية ولغوية) وذهنية، من فهم وفطنة.
ب. تعريف الدعوى في الاصطلاح :
قول مقبول شرعا - أو ما في معناه - يأتي به المدعي يطلب به حقا ينسبه لنفسه قِبَل غيره عند القاضي المختص ومن في حكمه.
والقول بأنه (مقبول) أي تحققت فيه أركان الدعوى وشروطها.
والقول بأنه (يأتي به المدعي يطلب به حقا ينسبه لنفسه...) هذه حقيقة الدعوى.
القول الصادر من الإنسان فيما يتعلق بالدعوى يتنوع ثلاثة أنواع:
١- يخبر بحق لنفسه قِبَل غيره فهي: حقيقة الدعوى
٢- يخبر بحق على نفسه لآخر فهو: إقرار
٣- يخبر بحق لغيره على غيره فهو: شهادة
والقول بأنه (من في حكمه): يشمل المحكَّم.
ج. تعريف جواب الدعوى:
قول أو ما في حكمه يأتي به المدعى عليه أو من ينوب عنه ردّاً على الدعوى.
وهو إما إقرار أو إنكار أو دفع للدعوى أو دفع للخصومة.
د. تعريف الدفع في الدعوى:
هو قول يأتي به الخصم لمواجهة دعوى خصمه بعد الدعوى والإجابة.
فما يتبادله الخصوم بعد الدعوى والإجابة يسمى دفوع.
الدفوع في الأصل هي دعوى؛ ولهذا تطبيق شروط الدعوى والإجابة على الدفوع بحسب مكانها عند سير الدعوى.
هـ. تعريف طلبات الدعوى:
قول أو ما في حكمه يقرره الخصم (مدعيا أو مدعى عليه، أو متداخل) يحدد به مبتغاه فيها.
وتختم الدعوى بالطلبات إذ هي التي تحدد هدف الدعوى.
و. أهداف صياغة الدعوى ودفوعها:
إن الهدف من صياغة الدعوى وجوابها ودفوعها وطلباتها يعود لأمرين هما:
1- أداء المطالبة القضائية وإيصالها إلى المحكمة وفق القواعد المقررة لها، بأسلوب محكم ومرتب ومستوفٍ لموضوعها.
2- اختصار الوقت في إنهاء الدعوى بأقصر طريق متقن.
إذ إن صياغة الدعوى ودفوعها بطريقة احترافية يساعد على فهمها والوصول إلى المقصود فيها فيساعد على سرعة إنهائها.
ز. الأسس التي تبنى عليها صياغة الدعوى القضائية:
1- وقائع الدعوى.
ومنها موضوع الادعاء ( بيع - إيجار - ....)
2- الحكم الواجب التطبيق:
وهذا وإن كان من واجب القاضي إلا أن إلمام معد الصياغة به سيجعله يقتصر على الوقائع المؤثرة في الحكم؛ مما يسهل على القاضي مهمته.
3- الشكل الإجرائي للدعوى:
من استيفاء شروطها وأنواعها. فكل دعوى لها شروط خاصة بحسب نوعها.
من أنواع الدعاوى:
أ. دعوى الاستحقاق (وهذا الغالب).
ب. دعوى طلب محاسبة (في الشركات)
ت. دعوى استرداد الحيازة.
وهكذا في كل نوع من أنواع الدعوى بحسبها.
٤- السبك الأسلوبي للدعوى: وهو الوسيلة لإخراج المعاني مكتوبة.
ح. أنماط صياغة الدعوى والدفوع:
تكون صياغة الدعوى والدفوع من جهة قصرها وطولها تبعاً للدعوى من حيث وضوحها أو إشكالها وتشعب وقائعها، ويمكن تقسيمها إلى:
أ. دعوى بسيطة: (أي مبسوطة مطولة)، وهذه تحتاج تقعيد وتفصيل؛ لكثرة فصولها وشروطها، وتشعب خلاف الخصوم فيها. مثل: أعمال المباني والمنشآت، فقد تكون فيها نزاع في المنشآت، وأخرى في الكهرباء والسباكة، وأخرى في الدهان... وهكذا، فلا بد من تناول هذه الأمور تناولا شاملاً لوقائعها ومحكما حتى يستطيع المدعي إيصال مراده إلى القاضي.
ب. وسيطة: وهي دون البسيطة؛ كالدعوى في بعض العقود لوجود خلاف في شرطين أو ثلاثة وهكذا.
ج. وجيزة. مثل بعض دعاوى الديون.
ط. ضوابط صياغة الدعوى ودفوعها:
لا بد لصياغة الدعوى وجوابها ودفوعها وطلباتها من ضوابط، وهذه الضوابط تأتي على قسمين:
موضوعية وأسلوبية، وبيانها فيما يأتي:
أولا: ضوابط الصياغة المتعلقة بالموضوع:
ضوابط صياغة الدعوى من جهة إيراد الوقائع وتفريعاتها، تشمل الضوابط الآتية:
1- اشتمال الصياغة على تحديد المدعي والمدعى عليه وصفة مقدم الدعوى.
2- كفاية الصياغة:
بحيث تتناول جميع الوقائع التي تتعلق بالموضوع مما يؤثر في الحكم. ولهذا من المهم التحضير قبل كتابة الصياغة وجمع جميع الوقائع والإلمام بها، ثم استبعاد غير المؤثر منها، ويجب كي تكون صياغة الدعوى كافية أن تشتمل من جهة الوقائع على الآتي:
3- اشتمال الصياغة على استقصاء جميع الأوصاف المتعلقة بالحق، وذلك بوصف المدعى به وصفاً دقيقاً بحيث يعز نظيره المشارك له.
ويستثنى من هذا:
أ. ما كان موقوفا على اجتهاد القاضي بعد الاستعانة بالخبراء، مثل: مقدار النفقة.
ب. ما ءان مقدرا بالشرع، مثل: مقدار الديات.
ج. ما خفي على المدعي معرفته، وكان معذورا بذلك، مثل: أن يطلب من خصمه محاسبته، والكشوف محجوبة عنه في الشركات.
ونحو ذلك مما هو مقرر عند الفقهاء.
ولا يمكن السير في الدعوى حتى يتم تحريرها.
وهي تختلف باختلاف الدعاوى.
مثال (١) : الأوصاف في قضايا الجنايات: ( سرقة من حرز، السارق بالغ - عاقل -...).
مثال (٢) : الأوصاف في دعوى القتل: (تعيين المدعى عليه ، والمجني عليه، وأداة القتل، وكيف تم القتل وأنه مات من الاعتداء عليه بهذه الآلة، وهل انفرد بالقتل أو شاركه غيره ...).
مثال (٣) : الأوصاف في دعوى الدين على متوفى: (تحديد الدين، وموت المدين، وأنه خلف وفاءا...).
مثال (٤) : الأوصاف في دعوى حصر الإرث: (ثبوت الوفاة، عدد الورثة، صلتهم بالميت، ...).
مثال (٥) لها في العقود: في الدعوى بعقد النكاح ابتداء لابد من ذكر الأركان والشروط، أما العقود المالية فيكفي أن يذكر بأنه باعه أو آجره دون الحاجة إلى استقصاء الشروط.
ويستثنى من ذلك: إذا طعن الخصم في صحة العقد، كأن يقول المشتري: لم أرَ المبيع، أو باعني ما لا يملك،... فلا بد من تحقق الشرط حينئذ.
ويستثنى أيضا بعض العقود المالية كالحوالة، إذ لابد من ذكر شروطها.
٤- عدم اشتمال صياغة الدعوى على ما يكذبها حسا أو عقلا أو عرفا أو قضاءاً.
مثال (١) : كأن يرث متوفى ابن وابنه، فيدعي الابن بأن له ثلاثة أرباع التركة، فهذه دعوى يكذبها الشرع، لأن للذكر مثل حظ الأنثيين.
مثال (٢) : القضايا التي سبق الفصل فيها، فهذه مردودة قضاء؛ لسبق الفصل فيها.
وهكذا في بقيتها كل بحسبه (مكذب حساً أو عقلاً أو عرفاً).
٥- إذا كانت الدعوى بـِ (عين) فيجب أن ينص أن العين في يد المدعى عليه.
٦- أن تكون الدعوى في الصياغة محققة بصيغة اليقين والجزم في الدعاوى والإجابة والطلبات والدفوع؛ فلا يصح أن يقال: فيما أظن، أو أشك، أو تقريبا...
٧- اشتمال الجواب والدفوع على ما يدل على ملاقاتها للدعوى.
٨- اشتمال الصياغة - عند الاقتضاء - على التوصيف القضائي للدعوى، أي تطبيق الأوصاف المقررة في القاعدة الشرعية على الوقائع القضائية، وإعطاء الوقائع النتيجة المقررة في القاعدة الشرعية. ومع أن التوصيف من مهمة القاضي، وتوصيفه هو الذي يعول عليه، ولكن هذا الضابط للتوضيح الدقيق من قبل المدعي في الصياغة، ولاسيما في الدعوى التي تلتبس توصيفاتها، كأن يلتبس التوصيف بين الحرابة والغيلة، أو بين الجعالة والإجارة.
٩- ذكر الطلب في خاتمة الدعوى؛ إذ به يحدد الهدف من الدعوى ويحقق المبتغى منها.
ثانيا: ضوابط صياغة الدعوى المتعلقة بالسبك
أي: ضوابط صياغة الدعوى من جهة بناء الأسلوب، وتشمل الضوابط الآتية:
1- وضوح الصياغة:
والوضوح هو الظهور والبيان. ووضوح الصياغة بأن تكون مشتملة على العناصر اللازمة في الدعوى شكلا وموضوعا، وتكون الصياغة قاطعة ولا تكون تعريضا أو تلميحا، وتكون بالوضوح التام بحيث لا يرد عليها احتمال.
والألفاظ من جهة وضوح دلالتها:
أ. نص: ما لا يحتمل إلا معنى واحد.
ب. ظاهر: ما احتمل معنيين أو أكثر هو في أحدهما أرجح.
ج. مجمل: ما احتمل معنيين أو أكثر على التساوي.
والمطلوب أن تكون الصياغة في مرتبة النص والحذر من مرتبة الإجمال.
2- الإيجاز:
فالكلام المُحكم هو ما يتميز بالوضوح والإيجاز.
والإيجاز: هو الإتيان بالمعنى المطلوب بأقل عدد من الألفاظ بدون الإخلال بالوضوح. كأنما يعد كلامه عداً.
3- الاختصار:
والاختصار هو في كلام أنشأه غيرك، بينما الإيجاز يكون في كلام تنشئه.
ويكون الاختصار في الاقتباس من مستندات الوقائع من عقود ونحوها، وكذا عند ذكر مستند القاعدة الشرعية.
4- اتساق الصياغة:
توافق الصياغة وترابطها وعدم تعارض الدعوى بعضها مع بعض أو مع الطلبات.
ويحسن التنبيه بأن التعارض في الدعوى من موجبات ردها ما لم يُوفِّق بينها توفيقا صحيحاً؛ ولذا يجب الحذر من الإخلال باتساق الصياغة.
5- التسلسل في ترتيب الوقائع والمعاني:
ترتيب الوقائع بحسب التسلسل الزمني، وفي المعاني يقدم الأقوى ثم القوي، والأهم ثم المهم، وأن يكون الاستنباط منظّما (ينطلق من المقدمات إلى النتائج، ومن المعلوم إلى استنباط المجهول، ومن الدليل إلى المدلول وهكذا).
6- السلاسة في الأسلوب:
انسيابية الأسلوب فلا تشعر بالتنافر بين جمله وكلماته، ولا يكون فيه خشونة في السبك.
7- الابتعاد عن الغريب والحُوْشِي من الكلام:
فيبتعد عن الغريب والحوشي من الألفاظ والأساليب التي لا يفهم إلا بالقواميس، ولا تكون الصياغة بالعامية، وهذا مما أكدته الأنظمة، فاللغة العربية الفصحى هي لغة المحاكم.
8- الواقعية في الصياغة:
الواقعية في اللغة: هي تناسب الشيء مع حاله.
والواقعية في الصياغة: مطابقة ما في الدعوى لما في الواقع من غير تهويل في الدعوى أو التهوين من شأنها في الردود. وقد أمر الله بالعدل فقال: "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا". والحق أن ما لا تثبته البينات فهو هدر ملقى مهما هوله المدعي أو هونه المدعى عليه.
والمعول عليه هو معاقد الأحكام من الوقائع المنتجة الجائز إثباتها.
9- سلامة اللغة:
وهذا يشمل سلامة الصياغة من جهة النحو والصرف والإملاء وعلامات الترقيم.
كما لابد من ضبط المشكل من الألفاظ
والخطورة في إهمال ذلك هو أن التحريف في اللغة من لحن ونحوه، قد يؤدي إلى تحريف المعنى.
بالإضافة إلى أن إتقان ذلك يعد من حلية الكلام.
10- عفّة الصياغة:
فيجب أن تكون الصياغة منصبة على أصل الموضوع ومرتكزة عليه متجنبة السباب والشتائم والسخرية والاحتقار والخوض في الأعراض. بل لابد أن تكون الكتابة بعقل وتأنٍّ وتجنب الأنانية بحيث نحرص على مشاعر الآخرين وأعراضهم، كما نحرص على ذلك لأنفسنا؛ ولهذا فإنه من أدبيات الكتابة القضائية في المحاضر والصكوك: أنه يحذف ما يخل بالأدب مما لا صلة له مباشرة بالدعوى كما تؤكده الأنظمة.
ي. عيوب صياغة الدعوى والدفوع والعيوب من هذه الجهة تنتج من عدم مراعاة ضوابط صياغة الدعوى، وننبه على هذه الجوانب بإيجاز، وهي:
أولا: عيوب الصياغة المتعلقة بالموضوع
وتشمل العيوب الآتية:
1- عدم كفاية الصياغة؛ بحيث تفوت بعض الوقائع أو الأوصاف المؤثرة في الدعوى أو الدفع.
2- عدم وصف المدعى به وصفا دقيقاً، فلا يورد فيها ما يكفي لوصفه بدقة بحيث لا يلتبس بغيره.
3- اشتمال الدعوى على شيء مكذّب شرعا أو قضاء أو حسا أو عقلا أو عرفا.
4- التردد في الدعوى أو الطلبات وعدم الجزم.
5- عدم ملاقاة صيغة جواب الدعوى ودفوعها لصيغة الدعوى.
6- إهمال ذكر الطلبات في الدعوى والإجابة.
ثانيا: عيوب صياغة الدعوى المتعلقة بالسبك
وتشمل العيوب الآتية:
١. عدم وضوح الصياغة، بحيث يكثر فيها الإجمال والإيهام.
٢. الإطناب في الصياغة:
والإطناب هو الإطالة، ويكون بخلط الكلام المفيد بغير المفيد وبالتالي يؤدي إلى التشويش على قارئ هذه المذكرة، وقد يكون فيه ترديد الكلام أو إسهاب في الوصول إلى الغرض.
ومن مظاهر الإطناب:
أ. التكرار.
ب. استخدام المترادفات من الألفاظ.
ج. أداء المعنى الواحد بعدة أساليب لعدد من المرات.
د. كثرة الأسجاع والألفاظ البيانية.
ومن أسباب الإطناب:
أ. عدم فهم القضية.
ب. الرغبة في المبالغة والتهويل.
ج. الشغف بالمحسنات البلاغية.
د. الرغبة في زيادة وضوح الكلام، وليس العيب في ذلك، ولكن العيب في الإطالة على ما يحقق الغرض، فلابد من الجمع بين الإيجاز والوضوح.
هـ. إرضاء الموكل بكثرة الصفحات.
١- عدم الاختصار للمستندات المضمنة في الدعوى، إذ لابد من الاختصار.
٢- تناقض الصياغة.
٣- عدم ترتيب الوقائع والمعاني.
٤- وحشية الأسلوب.
٥- عدم واقعية الصياغة باشتمالها على التهويل أو التهوين مما لا واقع له.
٦- الأخطاء النحوية والصرفية والإملائية وإهمال علامات الترقيم.
٧- سلاطة القلم بالفحش من الكلام.
٨- عدم فحص الصياغة، أي عدم الإمرار على جميع ضوابط الصياغة والمراجعة النهائية الدقيقة للمذكرة.
ك. التأهل للصياغة:
لابد لكل متخصص أن يجيد التعبير عما يكتبه بطريقة علمية فنية، ومرّ كلام ابن تيمية والشاطبي في ذلك؛ ولهذا لابد من التأهل للصياغة التأهل اللازم بالصفات الفطرية والمكتسبة.
أولا: الصفات الفطرية
والمراد بها: ما كانت مركوزة في الإنسان بأصل الخلقة، ويطورها بالتعليم والخبرات والتجارب، وتشمل الصفات الآتية:
١- ملكة التعبير والكتابة.
٢- الحفظ:
وليس المقصود هنا بلوغ نهاية الحفظ، وإنما المقصود هو الاستعداد لخزن المعلومات في الذاكرة واستذكارها عند الحاجة إليها ولو بالمعنى مع الإحاطة بأصول الفن، والعلوم المساعدة له موضوعاً وأسلوباً.
٣- الفهم:
القدرة على تصور المعاني من أحوالها؛ ملفوظة أو موصوفة.
وقد ذكر ابن القيم: أن الفهم يشمل:
أ. فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع، بالقرائن، والأمارات، والعلامات، حتى يحيط به علماً.
ب. فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به، في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر.
٤- سعة الإدراك: وهي خصوبة التفكير بحيث تساعد معدّ الصياغة على إدرار الأفكار والاحتمالات التي تعينه على إيراد الأحوال والصور لحلول الوقائع واحتمالات الاستنباطات من الأدلة ثم تنقيحها ودفع التعارض وإيضاح المشكل.
٥- القريحة: حدة في الذهن تقدحُ تولدَ الأفكار الدقيقة والاستنباطات العميقة، فهي تساعد على ابتداع الحلول، وطرح الأفكار الجديدة التي تعالَ ج بها الوقائع بالشكل الصحيح.
٦- اليقظة والتنبه: وهي ضد الغفلة وقلة الانتباه، وهي قوة ذهنية تعين معد الصياغة على الانتباه لما يقرؤه وما يحلله من الوقائع وأدلة الإثبات، وأيضا التنبه لما يطرح من الحيل لما يفسد في تصور الواقعة أو يحرفها عن حقيقتها.
٧- الفطنة: وهي قريبة من اليقظة، والمراد بها: ملكة ذهنية تعين في التقاط الأوصاف المؤثرة، وتساعد على حل الإشكال وفك الإعضال للوقائع وأدلتها والحكم الذي سوف تبنى عليه.
٨- الأناة والتثبت والصبر: وهي قدرة مركوزة في الإنسان تقوده للتمهل في استجلاء غموض الوقائع والتثبت من صورها وأوصافها وما يلاقيها من الأدلة الشرعية، فقد لا تنجح المحاولة الأولى في إعداد الصياغة فتراجعها مرتين أو ثلاث أو أربع مرات... إلى أن تطمئن للصياغة المحكمة موضوعا وأسلوبا.
٩- النفاذ وعدم التردد: إذ بعد المراجعة والطمأنينة للنتيجة؛ لا يحسن التردد، بل يتعين الإقدام.
ثانيا: الصفات المكتسبة:
والمراد بها: العلوم والخبرات والتجارب التي يكتسبها المتخصص في فنٍّ مَّا، وتشمل في هذا الفن الصفات الآتية:
١- الإحاطة بعلوم الآلة اللازمة ومنها:
أ. اللغة العربية.
ب. علم أصول الفقه.
ج. القواعد الفقهية.
د. إحكام التوصيف القضائي: معرفة كيفية تنزيل النص على الواقعة.
٢- الإلمام بالأحكام الموضوعة للمسألة التي يكتب فيها (حكمًا فقهيا أو نظاميا...)
٣- الإحاطة بمصطلحات الفن الذي يكتب فيه.
فيكتب بطريقة علمية فقهية قضائية فنية ولا يخلط بين المصطلحات.
٤- القدرة على فهم المسائل الفقهية وتأصيلها.
ل. وسائل تنمية الصفات المؤهلة للصياغة
وتكون تنمية الصفات المؤهلة للصياغة بالآتي:
١- القراءة في مجال التخصص بعد التأهل لها.
٢- اكتساب الخبرات والتجارب:
قال ابن سهل المالكي: « التجربة أصل في كل فن ومعنى مفتقر إليه في كل علم ».
٣- كثرة مباشرة الصياغة:
كلما كثرت الكتابة لانت الصياغة.
٤- المناقشات العلمية في مجال التخصص.
قال النووي: (مذاكرة حَاذِقٍ في الفنِّ ساعةً أنفع من المطالعة والحفظ ساعاتٍ بل أيَّامًا).
٥- الوقوف عند الاشكالات وحلها؛ إذ الوقوف عند الإشكالات ومحاولة حلها خير طريق للتعلم؛ لأنك ستوظف عدة مهارات ومعارف لتطبيقها في حل الإشكال.
٦- إعطاء البدن والعقل حقه من الراحة:
ومن العبارات المشهورة: «العقل السليم في الجسم السليم» فلا يكتب وهو منهك البدن، ولا وهو مهموم أو مشغول البال بأمر آخر؛ لأن ذلك جميعه يؤدي إلى تشتيت الذهن.
٧- الإنسان يذكي نفسه:
قال أهل التربية: لا يشترط لتحصيل العلم الانتهاء في الذكاء، وإنما يكفي الذكاء المتوسط، ولكن عليك الصبر في التحصيل، فإن العقل بالتعلم والتجارب ينمو ويزداد.
وقالوا أيضا: يكفي في الإبداع القدرة على التفكير مع وجود الأساس العلمي وتطويره والقدرة على التعبير عنه.
م. مراحل الصياغة
تمر الصياغة بمراحل هي:
١- جمع الوقائع:
جمعها من العقود ومن التصرفات ومن نقاط النزاع وغيرها، ثم يرتبها ويهيئها للصياغة.
٢- تنقيح الوقائع:
فرز الوقائع واختيار الوقائع المؤثرة في الموضوع من غيرها، وهذا مهم جدا؛ لأن الوقائع المؤثرة هي التي يدور عليها الإثبات ومجريات القضية.
٣- السبك:
البدء في الصياغة وتحويل الوقائع المبعثرة إلى وقائع مسطورة مرتبة.
- يبدأ السبك بالديباجة، ومنها البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) وبعد ذلك (اسم المدعي، واسم المدعى عليه، وهوياتهم، وصفاتهم وعناوينهم، وملخص موضوع الدعوى، ...).
- ثم البدء في سوق الوقائع بتحديد ودقة، مع ملاحظة ما سبق ومنها: اتساقها وعدم تناقضها، وواقعيتها...
- ويشار للأدلة بإيجاز، وإرفاق ما يلزم.
- ثم ختم الدعوى بالطلبات التي يراعى فيها الإحكام والاتساق مع الدعوى.
وعليه أن يراعي ما سبق ذكره من ضوابط الصياغة...
٤- فحص الصياغة:
وهي التحقق من استيفاء ضوابط الصياغة مما مر ووفق المراحل السابقة، فيراجعها كاتبها.
ويتقمص الكاتب عند المراجعة شخصية الخصم، وكذلك مما يعين على المراجعة: إيراد الاحتمالات والإجابة عليها.
ثم يدفعها كاتبها لغيره لمراجعتها وفي القضايا الهامة يحسن أن يكون هناك فريق لإعداد الصياغة ومراجعتها ومناقشتها فإن المناقشة تصقل الصياغة، وقد قيل: من المناقشة ينبثق النور.
وبعد الفحص والمراجعة: تتم الإجازة النهائية، والتوقيع على المذكرة وتقديمها إلى المحكمة المختصة.
0 تعليق على موضوع : كيفية صياغة الدعوة القضائية
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات