-->
نفيد ونستفيد التعليمية نفيد ونستفيد التعليمية
مركز الخليج
ملاحظة : كل ما يطرح بمدونة نفيد ونستفيد التعليمية هو ملك للجميع وليس محتكر لأحد
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

الحصانة القضائية في القانون والفقه الاسلامي




حصانة القاضي
عزل القاضي:
تكلم الفقهاء عن مدى قابلية القاضي للعزل، واختلفت أنظارهم في ذلك، بناء على اعتباره كوكيل عن الأمير من جهة , وعلى وجوب حرمة هذا المنصب في نظر الناس من جهة ثانية.
فذهب بعضهم إلى أن للإمام عزل القاضي مطلقاً، وهو قول الحنفية وبعض المالكية وبعض الحنابلة .
واستدل أصحاب هذا الرأي بعدة أدلة منها:
-
أنّ عمـر بن الخطاب رضي الله عنه عزل أبا مريـمحيث قال: «لأعزلن أبا مريم، وأولـين رجلاً إذا رآه الفاجر فرقه»، فعزله عن قضاء البصرة، وولى كعب بن سوار مكانه.
-
توليـة علي رضي الله عنه أبا الأسود الدؤلي  ثم عزله، فقال له: لم عزلتني وما خنت وما جنيت؟ قال: رأيتك يعلو كلامك على الخصمين .
وذكر الكـاساني أن عزل الإمام للقاضي ليس بعزله له حقيقة، بل بعزل العامة لما ذكر من أنّ توليته بتولية العامة، والعامة ولوه الاستبدال دلالة لتعلق مصلحتهم بذلك، فكانت ولايته منهم معنى في العزل أيضاً .
وذهب آخرون إلى أنّ عزل القاضي لا يكون إلاّ لسبب، وهو قول جمهور المالكية والشافعية والحنابلة.
واستدلوا بأنّ ولاية القاضي تصيره نائباً عن المسلمين، وليس نائباً عن الإمام، وبالتالي فما دام القاضي مقيماً ومستجمعاً لشروط أهلية القضاء، فليس من المصلحة عزله، ويأثم ولي الأمر إذا عزله، لأنّ في ذلك إفساداً لقضايا الناس، وهو عبث من الإمام، وتصرفه مصان عنه.
وذهب بعض الحنابلة إلى أنّه ليس لولي الأمر عزل القاضي مطلقاً؛ لأنّ عقده كان لمصلحة المسلمين، فلا يملك الإمام عزله .
ونقل عن أبي يعلى قوله: إنّ الإمام ليس له عزل القاضي ما كان مقيماً على الشرائـط، لأنه بالولاية يصير ناظراً للمسلمين على سبيل المصلحة لا عن الإمام. ويفارق الموكل، فإنّ له عزل وكيله لأنّه ينظر في حق موكله خاصة.
مما سبق بيانه أخلص إلى القول: إنّ عزل القاضي ينبغي أن يكون في مظنة المصلحة وكذلك استقالته.
فإذا استجمع القـاضي شروط أهلية القضاء ولم توجد مصلحـة لعزله لم ينعزل عند جمهور العلماء. فإن عزله الإمام أثم، لأنّ تصرفه على الرعية منوط بالمصلحة، كما بينه القرافي .
قال محمـد الطاهر ابن عاشـور: «والحاصل أنّه يفهم من مقصد الشريعـة أن تكون الولايـة في مظنـة المصلحـة، وأن لا يكون العزل إلا لمظنة المفسدة».
وتظهر أهمية هـذا المبدأ في توفـير الحماية اللازمـة للقضاة، وإلزام الجهة القائمة بالعزل بقيود وضوابط. إضافة إلى أنّ الحاجة العملية للأخذ بهذا تظـهر قيمتها في الوقت الحـاضر، وذلك لزيادة نفـوذ السـلطة التنفيـذية على القضاء.
هذا التنوع يدل على أهمية المسألة وخطورتها، وارتكاز العزل على المصلحة يقتضي أن تكون المصلحة قطعية أو قريبة منها، ولا يكفي أن تكون ظنية أو وهمية.
ذهب الماوردي إلى عدم جـواز عزل المولي للقـاضي إلاّ بعذر، وأن لا يعتزل المولى إلاّ من عذر لما في هذه الولاية من حقوق المسلمين   .
ومن المصالح الموجبة للعزل، كون غيره أقوى منه أو أحكم، أو لتسكين فتنة، أو لحصول الريبة في أمر القاضي .
من ذلك أنّ الأمـير علي بن يوسـف بن تاشفـين عزل أبا الحسن ابن أضحى الغرناطي عن قضاء المرية ، لجهله بالأحكام.
ذكر ابن عبد السلام في «قواعده» وجوب تقيد العزل بالأصلح للمسلمين فالأصلح. وفرع على هذا أنّ للإمام عزل القاضي إذا رابه منه شيء لما في إبقاء المريب من المفسدة.
وأما إن انتفت الريبة فله أحوال:
إما أن يعزله بمن هو دونه، وهذا لا يجوز لما في عزله من تفويت المصلحة على المسلمين من جهة فضله على غيره.
وأما إن عزله بمـن هو أفضل منه فينفذ عزله تقديماً للأصلح على الصالح، لما فيه من تحصيل المصلحة الراجحة للمسلمين.
وأما إن عزله بمن يساويه، فقد وقع فيه خلاف لتردده بين جواز التخير عند تساوي المصـالح، وعدم الجواز لما فيه من كسر العزل وعاره، والذي رجحه المنع، لأنّ حفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود، ودفع الضرر أولى من جلب النفع.
وذهب القـرافي إلى أنه يجب عليه عـزل الحـاكم إذا ارتاب فيه، دفعاً لمفسـدة الريبة، وبعزل المرجـوح عند وجـود الـراجـح تحيّلاً لمزيد المصلحة.
واختلف في عزل أحد المتساويين بالآخر. فقيل: يمتنع لأنّه ليس أصلح. وقيل: لأنه يؤذي المعزول بالعزل، ولأنّ ترك الفساد أولى من تحصيل الصلاح للمتولي.
قال ابن عرفة: في عدم عزله نظر لأنه يؤدي إلى لغو تولية غيره، فيؤدي إلى تعطيل أحكام المسلمين .
وأمـا إن عـزله لمصلحـة كون غيره أعلم منه بالأحكام، فقد أوجب بعضهـم على الأمـير أن يبـرئه مما يشينـه، لأنّ العزل مظنة لتطرق الكلام إليه.
وأما العزل بالشكية، فهو محل خلاف عند المالكية. فأصبغ يرى ضرورة عزل الإمام للقاضي إذا خشي عليه الضعف والوهن أو بطانة السوء، وإن أمن عليه الجور في نفسه، لأنّه من بذل النصح للمسلمين، وهو واجب على الإمام. بينما اشـترط مطرف لعزل القـاضي عدم الشـهرة بالعدالة، وتظاهر الشكيّة ووجـود البديل، نفيـاً لمفاسـد العزل، ويسأل عن حاله سراً فمن لم تتحقق عدالته عزل.
ويترتب على هذا أن حصانة القاضي منوطة باستمرار صلاحيته لأعمال القضاء ودوام أهليته، فإذا تغيرت حاله بما يعود على صلاحيته بالإخلال والضياع، وعلى أهليته لهذه الولاية بالفناء، أو صدر منه ما يتنافى وطبيعة عمله، أو اتصف بما ينافي أهلية القضاء، زالت أهليته وتعين على من بيده الأمر أن يعزله لما في بقائه من إسناد الأمر إلى غير أهله.
إضافة إلى ما تقدم، فقد ذهب بعضهم إلى أن في عزل القضاة توهيناً لحرمة المنصب وليس من غرض الشريعة فعل ذلك، لأنّ في توهين المناصب اجتراء العامة على صاحب الولاية، وفيه توهين للأمة واختلال نظامها، ومن مقاصـد الشريعـة حفظ نظام الأمة، وإنّ حفظ حرمة المناصب الشـرعية وإعانة القائمين بها على المضي في سبيلهم غير وجلين ولا مفضوضين لمن أكبر المصالح .
ولهذا نعى ابن عاشور على سلاطين الدولة الحفصية اصطلاحهم على عدم تولية القضاة أكثر من ثلاث سنوات واعتبره من خطأ التصرف .
وأما في الأنظمة المعاصرة، فقد نص فقهاء القانون الدستوري، على أنّ عدم قابلية القضاة للعزل يعتبر من أهم الضمانات القانونية التي تكفل للقضاء استقلاله، وتقوي صرحه وتحمي القضاة من تدخل الدولة، كما تحميهم من عبث المتقاضين واعتداء الأفراد.
وليس معنـى عـدم قابليـة القضـاة للعـزل، أنّ يبقـى القضاة في مراكزهم ولو صـدر منهم ما يستوجب مسـؤوليتهم ويقتضي عزلهم، إذ لا نزاع في أنّه مهما احتـاطت السـلطة التنفيذية في اختيار القضاة، فإنّه سيكون من بينهم من تنقصه الكفاءة أو النـزاهة، وقـد يصـادف أن يقع من بعضهم تصرفـات أو أعمال تتناقض ومنصب القضاء وهؤلاء ينبغي عزلهم  .
وبهذا فلا يكون عزل القضاة أو نقلهم إلاّ وفق مبادئ حددتها النظم القضائية، وعن طريق المجلس الأعلى للقضاء، مما يوفر استقراراً لهذا المنصب، ويبعث الاطمئنان في نفوس القضاة أنهم لا يعزلون أو ينقلون نقلاً تعسفياً في غير المواد التي حددها القانون.
والذي ينبغي أن نخلص إليه أنّ نظام الحصانة القضائية، وإن كان من أهم المبادئ التي تحفظ حرمة القضاء، ولا توهن القاضي في دينه، ويوجد ضمانة كافية يطمئن إليها القضاة على مصيرهم، إلاّ أنه وبالدرجة الأولى يوجد الضمانة اللازمة للمتقاضين بحيث تتوطد ثقتهم بالقضاء وتفصل في قضاياهم بالعدل والإنصاف بعيداً عن أي تأثير خارجي.
المطلب الثاني: الإجراءات التأديبية والجنائية:
اعتباراً لما يتمتـع به منصب القضاء من مكانة في التشريع الإسـلامي، ولما يحظى به من احترام في المجتمع، خص بعديد الإجراءات التي تضمن دوام هيبته في النفوس. وأقصد هنا حصانة القاضي ضد الإجراءات التأديبية أو الجنائية. ونيطت هذه الإجراءات بالخليفة الذي له حق تعيين القضاة أو من ينوبه.
وإذا كانت الشريعة الإسـلامية قـد توسعت في الحالات التي يسأل فيها القاضي باعتباره واحداً من المسلمين، إلاّ أنّها قرنت ذلك بضرورة توفر الأسباب، وذلك كون المسألة لا تتعلق بمسؤولية القاضي داخل ولاية القضاء، بل وسلوكه خارجها.
ويبدو أن الفقهاء لم يفرقوا بين الجريمة الجنائية أو المخالفة التأديبية كسبب لتأديب القاضي، وذلك لأنّ طبيعة العقوبات في الشريعة الإسلامية، إماّ أن تكون على جرائم حدود أو على جرائم قصاص أو على جرائم تعازير. والخطأ التأديبي يكون أحد هذه الجرائم، فإذا حوكم الجاني بأحد العقوبات المقررة في التشريع الإسلامي، فإنها تمنع عنه المحاكمة التأديبية، لأنها متضمنة داخل العقوبات. ومعلوم أنّ الحدود أو القصاص تمثل أعلى العقوبات المقررة في الشريعة، فكانت كافية لتأديب الجاني وزجره.

وأما في القوانين الوضعية، فالجزاءات التأديبية تغاير العقوبات الجنائية، فمعظم الجرائم التأديبية لا تدخل تحت حكم القوانين الجنائية، مما اقتضى تغاير العقوبتين، باعتبار أنّ الدعـوى التأديبية يقصد منها حماية الوظيفة، وأما الدعوى الجنائية فيقصد منها حماية المجتمع.
وإذا كان بعضهم يرى أنّ الشريعة الإسلامية لا تتضمن المخالفات التأديبية، كونها تمنع محاكمة الشخص مرتين على فعل واحد,  إلاّ أنّ هذا منه تأول بعيد، فالشريعة الإسلامية لا تسقط الجزاءات التأديبية، إلاّ حالة وجود اتحاد لأسباب المخـالفات التأديبية والجرائم الجنـائية، وأما حالة الاختلاف فلا مانع شرعاً من تعدد العقوبة.
وعلى هذا يترتب على المسؤولية التقصيرية للقضاة، اتخاذ إجراءات تأديبية، إلاّ إذا تضمنت جريـمة جنـائية. وفي حالة ثبوتها، فإنّ القـاضي لا يحاكم تأديبياً بل تقيد العقوبة الصادرة ضده في ملف خدمته.
وأما إذا انتهت المحاكمة التأديبية والجنائية إلى تبرئته، وكانت مبنية على عدم وقوع الفعل منه، فإنّه تتوقف محاكمته، إلاّ إذا كانت البراءة لأي سبب آخر، ففي هذه الحالة تعاد محاكمته لتحديد مدى توافر المخالفة التأديبية في حقه من عدمها.
فالقاضي إذا أدين جنائياً سقطت ولايته وأصبح غير أهل لتولي القضاء، حتى وإن كانت المخالفة التأديبية تدخل في جرائم التعازير، وذلك لخطورة هذه الولاية في إقرار العدل، فلا يكون أول قائم على رأسها هو أول من يخرق هذا المبدأ، لهذا كانت العقوبة في حقه أشد، صيانة للمنصب.
جاء في «تبصرة الحكام»: أنّ القاضي إذا أقر بأنّه حكم بالجور أو ثبت ذلك عليه ببينة، كانت العقوبة في حقه موجعة ووجب عزله، ويشهر ويفضح ولا تجوز ولايته أبداً ولا شهادته وإن صلحت حاله وأحدث توبة، لما اجترم في حق الله تعالى. ويكتب أمره في كتاب لئلا يندرس الزمان فتقبل شهادته، والقاضي أقبح من شاهد الزور حالاً .
وعلى هذا فالجزاءات التأديبية للقضاة في الشريعة الإسلامية، تقوم على أساس المسؤولية العامة المتضمنة للمسؤولية الدينية والمسؤولية الأخلاقية والاجتماعية. وجماع هذه المسؤوليات هي المسؤولية الدينية لقيامها على الخوف من الله عز وجل، ومراعـاة الجزاء الأخروي، كون القاضي مسؤولاً أمام الله تعالى أولاً، وأمـام القضاء الإسلامي ثانياً، حال مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية. هذه المسؤولية التي حملت كثيراً من الفقهاء على الإعراض عن تولي هذا المنصب(.
يقول ابن فرحون: «إنّ خطة القضاء أعظم الخطط قدراً، وإنّ إليها المرجع في الجليل والحقير بلا تحديد.
ويقرر المالقي: أنّ خطة القضاء عند الفقهـاء المسـلمين قاطبة من أسمى الخطط، فإنّ الله تعالى قد رفع درجة الحكام، وجعل إليهم تصريف أمور الأنام، إذ يحكمون في الدماء والأبضاع والأموال والحلال والحرام، وهي خطة الأنبياء ومن بعدهم الخلفاء، فلا شرف في الدنيا بعد الخلافة أشرف من القضاء.
إلى ذلك يتميز التشريع الإسلامي عن القوانين الوضعية، بوضعه لما يعرف في القضاء الإسلامي بأدب القاضي، وجعله مخالفته سبباً للمسؤولية التأديبية.
وعليه فالمخالفات التأديبية في الشريعة الإسلامية، هي إتيان أي فعل يخالف الواجبات الشرعية، سواء كان ذلك داخل ولاية القضاء أو خارجها، حيث يعتبر أي خروج على واجبات الوظيفة من جرائم التعزير .
وتعهد إلى الخليفة أو من ينوبه مهمة إيقـاع الجزاءات التأديبية حال وجود خطأ من القاضي يقتضي مثل هذه الإجراءات، والتي قد تصـل أحياناً إلى عزل القاضي.
جاء في «تبصرة الحكام»: أنّ على الإمام أو القاضي الجامع لأحكام القضاء أن يسأل عنهم من لا يتهم عليهم، لأنّ كثيراً من ذوي الأغراض يلقى في قلوب الصالحين من القاضي شيئاً، ليتوصل بذلك إلى ذم الصلحاء له عند ذكره عندهم وسـؤالهم عنه، فإذا ظهـرت الشكية بهم ولم تعرف أحوالهم سـأل عنهم. فإن كانوا على طريق الاستقامة أبقاهم، وإن كانوا على غير ذلك عزلهم.
وأما الحصانة ضد الإجراءات الجزائية، فهي تدخل ضمن مبدأ عموم المساواة في الشريعة الإسلامية , وإن كان الظاهر أن الحصانة لا تحقق المساواة، مما يقتضي ضرورة بيان الفرق بين مجالي الأحكام والتنفيذ.
ففي مجال الأحكام الموضوعية، لم تفرق النصوص التشريعية المقررة للجرائم والعقوبات بين الناس، وعلى ذلك لا تعرف الشريعة الإسلامية حصانة في مواجهة الأحكام الجنائية أو في مجال الأحكام الإجرائية.
منه.

كاتب الموضوع

مدونة نفيد ونستفيد

0 تعليق على موضوع : الحصانة القضائية في القانون والفقه الاسلامي

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    الموقع فلسطيني بامتياز

    التسميات

    للتواصل والاستفسار

    مركز الخليج قبل المغادرة نتمنى ان نكون عند حسن الظن

    هدف المدونة

    العمل بقدر من الأمانة في توصيل مجموعة وسلسلة من الأبحاث والتقارير العلمية بكافة التخصصات المعدة مسبقا للعمل بالوصول بجيل الكتروني راقي ولنرتقي بالتواصل الايجابي والعمل على كسب الثقة من واقع المعلومة
    تحياتي لكم أخوكم محمود وادي

    المتواجدون الان

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    نفيد ونستفيد التعليمية

    2019